عينيه دموع ولقد رأيت الزّهريّ) وهو محمد بن شهاب (وكان من أهنا النّاس) بفتح همزة وسكون هاء فنون فهمزة أي ألطفهم في العشرة (وأقربهم) أي في المودة (فإذا ذكر عنده النبيّ صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَأَنَّهُ مَا عَرَفَكَ وَلَا عَرَفْتَهُ) أي لتغير حاله واختلاف مقاله في مقام جلاله (لقد كنت آتي صفوان بن سليم) بالتصغير وهو الإمام القدوة المدني ممن يستشفي بذكره يروي عن ابن عمر وعبد الله بن جعفر وابن المسيب وعنه مالك وغيره (وكان من المتعبّدين المجتهدين) يقال إنه لم يضع جنبه على الأرض أربعين سنة (فإذا ذكر النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم بكى) فإن البكاء هو الشفاء من العناء والشقاء والمعنى استمر على البكاء (حتّى يقوم النّاس عنه ويتركوه) أي حذرا من رؤيته على تلك الحالة المحزنة (وَرُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا سَمِعَ الحديث) أي حديثه عليه الصلاة والسلام (أخذه العويل) بفتح المهملة وكسر الواو أي صوت الصدر بالبكاء (والزّويل) بفتح الزاء وكسر الواو أي القلق به والعناء وأصل الزويل عدم الاستقرار يقال زال عن مكانه يزول زوالا وزويلا (ولمّا كثر على مالك النّاس) أي اجتمعوا عليه بكثرة بعد ما كانوا بوصف قلة (قيل له لو جعلت مستمليا) أي مبلغا للناس (يسمعهم) من الاسماع أي ليسمع القوم كلهم لكثرتهم وبعد بعضهم وجواب لو مقدر أي لكان حسنا أو معناه التمني أي تمنينا جعلك أحدا مستمليا (فقال قال الله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ)[الحجرات: ٢] أي توقيرا له وتكريما وتعزيزا له وتعظيما (وحرمته حيّا وميّتا سواء) لأن فناءه في الحقيقة بقاء فإنه حي يرزق بدار اللقاء (وكان ابن سيرين) من أجلاء التابعين (ربّما يضحك) أي يتبسم (فَإِذَا ذُكِرَ عِنْدَهُ حَدِيثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تعالى عليه وسلم خشع) أي خاف وخضع وتواضع كذا في نسخة هنا والظاهر أنه مكرر لما سيأتي في الفصل الذي يليه (وكان عبد الرّحمن بن مهديّ) وهو أحد الأعلام في الحديث روى عنه أحمد قال ابن المديني أعلم الناس بالحديث هو عبد الرحمن بن مهدي وقال الزهري ما رأيت في يده كتابا يعني كان حافظا (إذا قرأ حديث النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم أمرهم) أي الناس أو أصحابه (بالسكوت) أي رعاية لحرمته وعناية لفهم مقولته (وقال) أي عبد الرحمن مقتبسا من القرآن (لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ) يعني وكذا فوق صوت راوي حديثه (ويتأول أنه يجب له) أي لأجله (من الإنصات عند قراءة حديثه) أي روايته بعد مماته (ما يجب له عند سماع قوله) أي كلام نفسه في حال حياته.
فصل [فِي سِيرَةِ السَّلَفِ فِي تَعْظِيمِ رِوَايَةِ حَدِيثِ رسول الله وسنته عليه الصلاة والسلام]
(في سيرة السلف) أي طريقتهم (فِي تَعْظِيمِ رِوَايَةِ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله تعالى عليه وسلم وسنته) ولعله أراد بالحديث قوله وبالسنة فعله (حدّثنا الحسين بن محمّد الحافظ) أي ابن سكرة (حدّثنا أبو الفضل بن خيرون) بفتح أوله المعجم فسكون تحتية فضم راء يمنع