ذلك) أي إرادة مفارقتها (بالنّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم فقد أخطأ خطأ بينا) وفيه بحث لأنه عليه الصلاة والسلام إذا اعلمه الله تعالى بالوحي أو الإلهام أنها ستصير زوجته في بقية الأيام فلا مانع من أن يريد مفارقتها وفق إرادة الملك العلام (قال وليس معنى الخشية هنا) أي في قوله تعالى وَتَخْشَى النَّاسَ (الخوف) أي من ملامتهم لعدم مبالاته بهم (وإنّما معناه) أي اللفظ أو ما ذكر وروي معناها أي اللفظة أو الخشية (الاستحياء أي أن يَسْتَحْيِي مِنْهُمْ أَنْ يَقُولُوا تَزَوَّجَ زَوْجَةَ ابْنِهِ) بعد نهيه عن نكاح حلائل الأبناء جهلا منهم أن المراد بالأبناء ابناء الأصلاب كما بينه تعالى بقوله وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ (وأنّ) أي وإنما معناه أيضا أن (خشيته عليه الصلاة والسلام من النّاس كانت) أي حذرا (من إرجاف المنافقين واليهود) أي إخبار سوء وتزلزل (وتشغيبهم) أي بإيقاع شر وفتنة (عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِقَوْلِهِمْ تَزَوَّجَ زَوْجَةَ ابْنِهِ بَعْدَ نَهْيِهِ عَنْ نِكَاحِ حَلَائِلِ الْأَبْنَاءِ كَمَا كَانَ فعتبه الله تعالى على هذا) أي على استحيائه منهم (ونزّهه عن الالتفات إليهم فيما أحلّه له) في نكاح زوجة دعيه (كَمَا عَتَبَهُ عَلَى مُرَاعَاةِ رِضَى أَزْوَاجِهِ فِي سُورَةِ التَّحْرِيمِ بِقَوْلِهِ: لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ [التحريم: ١] الآية) أي تبتغي مرضاة أزواجك وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ وقد ورد أنه عليه الصلاة والسلام شرب عسلا عند زينب فتواطأت عائشة وحفصة فقالتا له إنا نشم منك رائحة مغافير فقال إنما شربت عند زينب عسلا فقالتا جرست نحله العرفط فحرم شربه فلاطفه ربه بقوله يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ الآية؛ (وكذلك قوله: له ههنا وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ [الْأَحْزَابِ: ٣٧] ) ملاطفة له على منعه من مراعاة الناس والتفاته إليهم (وقد روي) كما في جامع الترمذي وقد رواه ابن جرير وغيره أيضا (عن الحسن) أي البصري رحمه الله تعالى فإنه المراد عند المحدثين حال إطلاقه (وعائشة) كان المستحسن تقديم عائشة على الحسن (لو كتم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم شيئا من الوحي) أي مما يوحى إليه (لكتم هذه الآية) أي قوله تعالى وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ (لما فيها من عتبه) أي عتابه عليه (وإبداء ما أخفاه) أي وإظهار ما كتمه إليه.
فصل (فَإِنْ قُلْتَ قَدْ تَقَرَّرَتْ عِصْمَتُهُ صَلَّى اللَّهُ تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَقْوَالِهِ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ)
المشتملة على أفعاله (وأنّه لا يصحّ منه فيها خلف) لقوله من كذب (ولا اضطراب) أي تردد من ريب (في عمد) أي قصد (ولا سهو) أي خطأ ونسيان نشأ عن ذهول وغفلة (ولا صحّة) أي في حال عافية (ولا مرض) أي علة (ولا جدّ) بكسر الجيم ضد الهزل (ولا مزح ولا رضى) أي حال شرح وفرح (ولا غضب) أي حال ضيق خلق وكراهية نفس وكرر لا تأكيدا لنفي ما ذكر من انفراد كل من ذلك كما يقتضيه عصمته هنالك (ولكن ما معنى الحديث) الذي رواه الشيخان والنسائي أيضا (في وصيّته عليه الصلاة والسلام الَّذِي حَدَّثَنَا بِهِ الْقَاضِي الشَّهِيدُ