بعض طرق الحديث الصحيح بأنه (في السّماء السّابعة) أي على ما رواه البخاري في التوحيد أن موسى في السماء السابعة وإبراهيم في السادسة ثم قال بتفضيله لكلام الله تعالى وهو موافق لما في الأصل وقيل صوابه السادسة لأن موسى فيها وإبراهيم في السابعة فالسابعة لموسى غلط ويؤيده أنه قال الحاكم تواترت الأحاديث أنه في السادسة ثم هذه الرفعة في المقام (بسبب كلامه) أي تكليم الله تعالى إياه عليه السلام (ورفع محمّدا فوق هذا كلّه) كما أشار إليه قوله سبحانه وتعالى وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ (حتّى بلغ مستوى) أي مكانا مستويا لا ترى فيه عوجا ولا أمتا (وسمع صريف الأقلام) أي صوت جريانها بما تكتبه من الأقضية والأحكام (فكيف يستحيل في حقّ هذا) أي النبي عليه الصلاة والسلام (أو يبعد) أي يستغرب ويستبعد منه (سماع الكلام؟ فسبحان من اختصّ) وفي نسخة من خص (من شاء بما شاء) أي من جزيل كرمه وجميل نعمه (وجعل بعضهم فوق بعض درجات) أي في المقامات العاليات.
فصل [وَأَمَّا مَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ وَظَاهِرُ الآية من الدنو والقرب]
أي في متممات هذه القصة ومكملات هذه القضية (وأمّا ما ورد في حديث الإسراء) أي أحاديث سيره إلى السماء (وَظَاهِرُ الْآيَةِ مِنَ الدُّنُوِّ وَالْقُرْبِ مِنْ قَوْلِهِ: دَنا فَتَدَلَّى) أي حيث ظواهر الضمائر إليه صلى الله تعالى عليه وسلم لا إلى جبريل كما قيل (فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ) أي قدرهما (أَوْ أَدْنى [النجم: ٨] ) أي بل أقرب وكون أو للتنويع أنسب (فَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ الدُّنُوَّ وَالتَّدَلِّيَ مُنْقَسِمٌ مَا بين محمّد وجبريل عليهما السّلام) إذ قد دنا كل منهما من الآخر (أو مختصّ بأحدهما) أي بأن محمدا أو جبريل دنا (من الآخر) وفيه أنه لم يكن بينهما بعد حتى يقال دنا فتدلى فتدبر قال النووي المراد بالقاب في الآية عند جميع المفسرين هو المقدار ثم اعلم أن من ذهب إلى أن الدنو والتدلي ما بين محمد وجبريل يقول المعنى دنا جبريل من النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فتدلى أي نزل عليه وذلك أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم سأله أن يراه على صورته التي جبل عليها فقال لن نقوى على ذلك قال بلى قال فأين تشاء أن أتخيل لك قال بالأبطح قال لا يسعني قال فبمنى قال لا يسعني قال فبعرفات قال ذلك بالحرى أن يسعني فواعده فخرج النبي صلى الله عليه وسلّم للوقت فإذا جبريل قد استوى له أي قام في صورته التي خلقه الله تعالى عليها له ستمائة جناح وهو بالأفق الأعلى أي في جانب المشرق في اقصى الدنيا عند مطلع الشمس فسد الأفق من المغرب فلما رآه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم كبر وخر مغشيا فتدلى جبريل عليه السلام فنزل عليه حتى إذا دنا منه قدر قوسين أفاق فرآه في صورة الآدميين كما في سائر الأوقات فضمه إلى نفسه وقال لا تخف يا محمد فقال صلى الله تعالى عليه وسلم ما ظننت أن أحدا من خلق الله هكذا قال كيف لو رأيت إسرافيل عليه السلام أن العرش لعلى كاهله وأن رجليه قد خرقنا تخوم