إني رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إليكم لأبلّغكم) بالتشديد والتخفيف أي لأخبركم (مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ أُبَيِّنُ لَكُمْ مَا نزّل عليكم) بالبناء للفاعل مخففا أو المفعول مثقلا لتفوزوا بكرم السيادة وعظم السعادة (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ) أي ما هو (إِلَّا وَحْيٌ يُوحى فَاسْتَوى [النجم: ٣- ٤] قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ) كما في آية أخرى، (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) ونحو هذا من الآيات من الكتاب؛ (فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُوجَدَ مِنْهُ فِي هَذَا الباب) أي في باب البلاغ عن ربه (خبر بخلاف مخبره) بضم الميم وفتح الموحدة أي ما أخبر به (على أيّ وجه كان) من قصد أو غيره، (فلو جوّزنا عليه الغلط والسّهو) أي نسبتهما إليه (لما تميّز لنا) أي لما امتاز خبره (من غيره) أي من خبر غيره قال الحجازي سياق الكلام يدل على أن الضمير في ذلك عائد إلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم (وَلَا اخْتَلَطَ الْحَقُّ بِالْبَاطِلِ؛ فَالْمُعْجِزَةُ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى تصديقه جملة واحدة من غير خصوص) بتقييد حاله (فتنزيه النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم) أي فيما طريقه البلاغ (عن ذلك كلّه) أي عن الاخبار بشيء منه بخلاف ما هو به قصدا وسهوا وغلطا (واجب برهانا) أي دليلا عقليا (وإجماعا) أي اتفاقا نقليا (كما قاله أبو إسحاق) أي الإسفراييني على ما تقدم والله أعلم.
فصل [وقد توجهت ههنا لبعض الطاعنين سؤالات]
(وقد توجّهت ههنا) أي في هذا المبحث (لبعض الطاعنين) أي في الدين (سؤالات) أي من الملحدين (منها ما روي) أي فيما أخرجه ابن جرير وابن المنذر وأبو حاتم بسند منقطع عن سعيد بن جبير (من أنّ النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم لمّا قرأ سورة والنّجم) أي سورته (وقال) أي وقرأ (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ) صنم كان لثقيف بالطائف أو بنخلة من قريش وهي مؤنثة من لوى لأنهم كانوا يلوون على طاعتها ويعكفون على عبادتها أو يلتوون عليها أي يطوفون لديها وقيل مؤنث لفظه الجلالة (وَالْعُزَّى) تأنيث الأعز شجرة كانت لغطفان تعبدها بعث إليها رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم خالد بن الوليد فقطعها (وَمَناةَ) بالقصر ويمد صخرة كانت لهذيل وخزاعة تعبدها وتتقرب بها وتعتكف لديها (الثَّالِثَةَ الْأُخْرى) صفتان للتأكيد (قال) أي جرى على لسانه أو حكى الشيطان بعد بيانه (تلك الغرانيق العلى) جمع غرنوق بضم المعجمة والنون وبكسرها وفتح النون ويقال غرنيق بضمها وفتح النون وسكون الراء والياء ويقال كقنديل وهي في الأصل الذكور من طير الماء طويل العنق قيل هو الكركي ويقال للشاب الممتلئ شبابا وحسنا وبياضا أريد بها ههنا الأصنام إذ كانوا يزعمون أنها تقربهم إلى الله تعالى وشفعاؤهم عند الله فشبهوها بالطير الذي يعلو في الهواء ويرتفع إلى السماء (وإن شفاعتها) ويروى وأن شفاعتهن (لترتجى) بصيغة المجهول أي تتوقع وتؤمل في التجاوز عن الذنب والزلل (ويروى ترتضى) أي بدل ترتجى أي تقبل، (وَفِي رِوَايَةٍ إِنَّ شَفَاعَتَهَا