وفي نسخة بفتح فسكون أي فصل وفارق (بَيْنَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْغُرَبَاءِ لِأَنَّ الْغُرَبَاءَ قَصَدُوا لذلك) أي في رحلتهم (وَأَهْلَ الْمَدِينَةِ مُقِيمُونَ بِهَا لَمْ يَقْصِدُوهَا مِنْ أجل القبر والتّسليم) أي على صاحبه وفيه أنه لا يلزمهم ترك ذلك وأي مانع لما هنالك فهل ترى أحدا قال بأن الغرباء لهم الطواف حول الكعبة لأنهم قصدوها في سفرهم دون أهل مكة حيث لم يقصدوها في إقامتهم (وقال عليه الصلاة والسلام) كما روى مالك في الموطأ عن عطاء بن يسار مرسلا وعبد الرزاق عن معمر عن زيد بن أسلم (اللهمّ لا تجعل قبري وثنا يعبد) أي صنما يعبد من دون الله تعالى وإنما قاله خوفا على أمته وأهل ملته أن يفعلوا مثل جهلة أهل الكتاب بالنسبة إلى القبور أنبيائهم ومشاهد أصفيائهم ولذا قال عليه الصلاة والسلام (اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى قَوْمٍ اتَّخَذُوا قُبُورَ أنبيائهم مساجد) أي مسجودا بها ومشهودا فيها حيث عبدوها (وقال) أي النبي عليه الصلاة والسلام (لا تجعلوا قبري عيدا) رواه أبي شيبة موصولا عن علي وسعيد بن منصور في سننه مرسلا من طريقتين وتقدم تحقيق بيانه وتدقيق برهانه (وَمِنْ كِتَابِ أَحْمَدَ بْنِ سَعِيدٍ الْهِنْدِيِّ فِيمَنْ وقف بالقبر: لا يلصق به) لأنه ناشىء عن قلة الأدب مع رسول الرب (ولا يمسّه) أي لعدم وروده بل ورد النهي عن مسه ولمسه (ولا يقف عنده طويلا) أي وقوفا طويلا أو زمانا طويلا خوفا من الرياء والسمعة أو من الملالة والسآمة (وفي العتبيّة) بضم العين المهملة وسكون الفوقية وكسر موحدة وتشديد تحتية منسوبة إلى فقيه الأندلس محمد بن أحمد بن عبد العزيز العتبي القرطبي مصنفها وهو من موالي عتبة بن أبي سفيان أخذ عن يحيى بن يحيى الليثي وطبقته (يبدأ بالرّكوع) أي بصلاة التحية للمسجد (قبل السّلام) أي على سيد الأنام حين دخوله (في مسجد النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم) أي قياسا على حال حياته فإنه قد ورد أن واحدا من الصحابة دخل المسجد فجاء وسلم على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فقال له ارجع وصل ركعتين ثم سلم علي وفيه إيماء إلى تقديم الحرمة الربوبية على تعظيم الخدمة النبوية (وَأَحَبُّ مَوَاضِعِ التَّنَفُّلِ فِيهِ مُصَلَّى النَّبِيِّ حَيْثُ العمود المخلّق) بضم ميم وفتح خاء معجمة ولام مشددة مفتوحة أي المبخر أو المطلى بالخلوق بفتح أوله وهو نوع من الطيب المعبق (وأمّا في الفريضة فالتّقدّم إلى الصّفوف) أي أفضل للمأمومين وأما الإمام فلا شك أن مقامه أفضل مصلاه الأكمل (والتّنفّل فيه) أي في مصلاه بل في جميع مسجده أفضل (للغرباء) دون أهل المدينة لحديث ورد بذلك (أحبّ إليّ) وكذا إلى غيره (من التّنفّل في البيوت) ولعل وجهه أن لا مضاعفة في الصلاة في غير المسجد من مواضع المدينة بخلاف ذلك في مكة فإن الحرم كله تضاعف فيه الحسنة بمائة ألف فالنون في البيوت أفضل لهم ولو كانوا من الغرباء.
فصل (فِيمَا يَلْزَمُ مَنْ دَخَلَ مَسْجِدَ النَّبِيِّ صَلَّى الله تعالى عليه وسلم من الأدب)