الْفَصْلُ التَّاسِعُ [فِيمَا تَضَمَّنَتْهُ سُورَةُ الْفَتْحِ مِنْ كراماته عليه السلام]
(فِيمَا تَضَمَّنَتْهُ سُورَةُ الْفَتْحِ مِنْ كَرَامَاتِهِ صَلَّى الله تعالى عليه وسلم) اعلم أن سورة الفتح نزلت على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم في منصرفه من الحديبية سنة ست من الهجرة وهو متوجه إلى المدينة فهي على هذا في حكم المدني وقد قيل بل نزلت بالمدينة وعلى بعضها نزل بها وقد ثبت في فضلها حديث لقد أنزل الله علي سورة هي أحب إلي ما طلعت عليه الشمس أي شمس الوجود (قال الله تعالى: إِنَّا فَتَحْنا) أي بعظمتنا (لَكَ) أي لا لغيرك أو لأجلك (فَتْحاً مُبِيناً [الفتح: ١] ) أي ظاهرا (إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ [الفتح: ١٠] ) ومعناه قوله سبحانه تعالى وهو القاهر فوق عباده وكثير من السلف وبعض الخلف على أن الله سبحانه وتعالى يدا لا بمعنى الجارحة بل إنها صفة له تعالى على وجه يليق بذاته وكذا قالوا في الاستواء وسائر آيات المتشابه وأحاديث الصفات ثم ما بينهما سيأتي مبينا وفي اثناء الكلام معينا وقد اختلف في هذا الفتح قال كثير إن هذا هو ما اتفق له صلى الله تعالى عليه وسلم في طريق الحديبية من التيسير واللطف وذلك أن المشركين كانوا إذ ذاك أقوى من المسلمين فيسر الله سبحانه أن وقعت بينه وبينهم المصالحة ريثما يتقوى صلى الله تعالى عليه وسلم واتفق له بعد ذلك بيعة الرضوان وهي الفتح الأعظم واستقبل صلى الله تعالى عليه وسلم فتح خيبر فامتلأت أيدي أصحابه خيرا ولم يشترك فيه مع أهل الحديبية احد ممن تخلف منهم ثم ما وقع في ذلك الوقت من الملحمة التي كانت بين الروم وفارس فظهرت فيها الروم وكان ذلك فتحا لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم واصحابه لانهضام شوكة الكفر العظمى ولأنه صلى الله تعالى عليه وسلم علم كونه فتحا له من سورة الروم فكانت هذه كلها من جهة الفتح الذي جاءت الآية منبهة عليه وقد ذكر ابن عقبة أنه لما كان صلح الحديبية ونزلت الآية قال رجال من أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم والله ما هذا بفتح لقد صددنا عن البيت وصد هدينا فبلغ ذلك رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقال بئس الكلام هذا بل هو أعظم الفتوح قد رضي المشركون أن يدفعوكم بالرواح عن بلادهم ويرغبوا إليكم في الأمان وقد رأوا منكم ما كرهوا وأظفركم الله عليهم وردكم سالمين مأجورين وهو أعظم الفتوح فقال المسلمون صدق الله ورسوله هو أعظم الفتوح يا رسول الله وأنت أعلم بالله وبأمره منا وذهب بعض المفسرين إلى أن الفتح في الآية إنما هو إشارة إلى فتح بمكة فمعنى فتحنا على هذا قضينا وقدرنا والأظهر إن فتح الحديبية كان سببا لفتح مكة وذهب بعضهم إلى أن الفتح في الآية إنما هو الهداية إلى الاسلام أي على الوجه العام ومال الزجاج إليه واستحسنه لإمكان الجمع بالحمل عليه قال المصنف (تضمّنت هذه الآيات) أي الواردة في صدر السورة (من فضله) أي من جملة فضائله (وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَكَرِيمِ مَنْزِلَتِهِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى ونعمته لديه ما) أي الذي أو شيئا (يقصر