القائل هو الأحق بأن يلحق بمن سب الحق عند المحقق (والله الموفّق) نعم ذم السلف الكرام أهل الكلام من حيث إنهم يتعلقون بذات الله تعالى وصفاته العلية بالأدلة العقلية والقواعد الفلسفية وقد قال الله تعالى وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً وورد عنه عليه الصلاة والسلام لا تتفكروا في ذات الله وتفكروا في مصنوعاته وقد بسطت الكلام على هذا المرام في شرح الفقه الأكبر فتأمل وتدبر.
فصل (وَحُكْمُ مَنْ سَبَّ سَائِرَ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وملائكته)
أي جميعهم (وَاسْتَخَفَّ بِهِمْ أَوْ كَذَّبَهُمْ فِيمَا أَتَوْا بِهِ) من وحيهم وفعلهم (أو أنكرهم) أي وجودهم (وجحدهم) أي نزولهم كقول مالك بن الصيف ما انزل الله على بشر من شيء حين قال له النبي عليه الصلاة والسلام أليس في التوراة أن الله يبغض الحبر السمين قال نعم قال فأنت الحبر السمين فمن صدر منه شيء من ذلك فحكمه (حكم نبيّنا صلى الله تعالى عليه وسلم على مساق ما قدّمناه) أي نهجه وسبيله في وجوب قتله كفرا إن لم يتب وحدا إن تاب كما هو مذهب مالك في هذا الباب (قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ بشرا وملكا (وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ [النِّسَاءِ: ١٥٠] ) إيمانا وكفرا (وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ) كاليهود كفروا بعيسى ومحمد وكالنصارى كفروا بمحمد (الآية) أي ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا متوسطا بين الإيمان والكفر أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (وقال تعالى) بالخطاب العام (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا) أي من القرآن (وَما أُنْزِلَ) أي من الصحف (إِلى إِبْراهِيمَ الآية) وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والاسباط أي أولادهم وأحفادهم من الأنبياء وما أوتي موسى وعيسى من التورية والإنجيل وما أوتي النبيون من ربهم كالزبور لداود (إِلَى قَوْلِهِ: لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ [البقرة: ١٣٦] ) في الإيمان لا في التفصيل (وقال) أي الله تعالى آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون (كُلٌّ) أي كلهم أو كل واحد منهم (آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ) إيمانا إجماليا قائلين (لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ [الْبَقَرَةِ: ٢٨٥] ) بل نؤمن بكلهم ونعتقد أن بعضهم أفضل من بعض وأن نجهل تفضيل بعضهم (قاله) وفي نسخة قَالَ (مَالِكٌ فِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ وَمُحَمَّدٍ) هو ابن المواز كما جزم به الحلبي وقال الدلجي لعله ابن سحنون (وقاله ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ) وفي نسخة وابن عبد الملك (وأصبغ) أي ابن الفرج (وسحنون فيمن شتم الأنبياء) أي عموما (أو أحدا منهم) أي خصوصا (أو تنقّصه قتل ولم يستتب) أي إذا كان مسلما (وَمَنْ سَبَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ قُتِلَ إِلَّا أَنْ يُسْلِمَ وَرَوَى سُحْنُونٌ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ من سبّ الْأَنْبِيَاءَ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى بِغَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي كفروا به) وفيه أنه ليس سب الأنبياء في وجه من الوجوه التي كفروا بها فلا يحتاج إلى هذا القيد الزائد على ما