للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحجاب وكشف النقاب مكان دون مكان ولا زمان دون زمان لإرادة العيان كما لا يخفى على الأعيان ولابن عطاء حكم توجب في الجملة كشف غطاء فأحببت أن أذكرها وهي قوله. كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو الذي أظهر كل شيء أم كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو أظهر من كل شيء بل وهو الظاهر قبل وجود كل شيء وهو الواحد الذي ليس معه شيء فالحق ليس بمحجوب وإنما المحجوب أنت عن النظر إليه إذ لو حجبه شيء لستره ما يحجبه ولو كان له ساتر لكان لوجوده حاصر وكل حاصر لشيء فهو له قاهر وهو القاهر فوق عباده انتهى وإذا قال الله تعالى لا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً كيف يحيطون به جرما وإني للعدم حتى يغلب القدم نعم أن لله سبحانه وتعالى سبعين ألف حجاب من النور في عالم الظهور لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليها نور بصره وقد قال الله تعالى كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ أي باطل ومضمحل وفان في نظر أرباب العرفان في كل آن وزمان ولذا قال بعض أرباب الشهود سوى الله والله ما في الوجود وقال بعض الشطار ليس في الدار غيره ديار فهو من غاية ظهوره باطن ومن نهاية بطونه ظاهر وفي عين أبديته أول وفي عين أزليته آخر وغيره كالهباء في الهواء والسراب في نظر مشتاق الشراب وإلا فما للتراب ورب الأرباب والله تعالى أعلم بالصواب.

فصل [ثم اختلف السلف والعلماء هل كان إسراء بروحه أو جسده]

أي من متعلقات هذا الباب (ثمّ اختلف السّلف) أي الصحابة والتابعون (والعلماء) أي الخلف المجتهدون (هل كان) أي وقع (الإسراء بروحه) أي فقط (أو جسده) أي مع روحه في جميع اسرائه أو في بعضه كما سيأتي في كلامه ويندرج فيه أيضا قول آخر لبعضهم أنه أسري به مرتين مرة مناما ومرة يقظة جمعا بين الروايتين وكذا قول التوقف بأن يقال اسري به ولا يقال يقظة ولا مناما وهو قول غريب حكاه الإمام الجوزية في أوائل كتابه الهدى ولعل وجهه أنه ورد في بعض طرق الخبر أنه كان بين النائم واليقظان فلم يعرف حقيقة أمره ولذا عبر بعضهم عنه بالنوم وبعضهم باليقظة اعتبارا بالغلبة وكأن المصنف لم يلتفت إلى هذه المقالة فينتظم قوله (على ثلاث مقالات) أي لطوائف ثلاث كما فصلها بقوله (فذهبت طَائِفَةٌ إِلَى أَنَّهُ إِسْرَاءٌ بِالرُّوحِ وَأَنَّهُ رُؤْيَا منام) بدل مما قبله أو عطف تفسير له إذ هو في هذا المقام إنما يكون في حال المنام (مع اتّفاقهم أنّ رؤيا الأنبياء حقّ) أي ثابت غير كذب (ووحي) أي يعمل به بخلاف رؤيا غيرهم ويدل عليه قوله تعالى حكاية يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ وحديث تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم (وإلى هذا ذهب معاوية رضي الله تعالى عنه) أي من الصحابة كما رواه ابن إسحاق وابن جرير عنه وهو ابن أبي سفيان كلاهما من مسلمة الفتح وهو أحد كتبة الوحي وقيل إنما كتب له كتبه إلى الاطراف وتولى الشام في زمن عمر رضي الله تعالى عنه ولم يزل بها حاكما إلى أن مات وذلك أربعون سنة روى عنه ابن عباس وأبو

<<  <  ج: ص:  >  >>