الْقِسْمُ الرَّابِعُ (فِي تَصَرُّفِ وُجُوهِ الْأَحْكَامِ فِيمَنْ تنقّصه أو سبّه عليه الصلاة والسلام
قال القاضي أبو الفضل رضي الله تعالى عنه) يعني المصنف (قَدْ تَقَدَّمَ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ مَا يَجِبُ مِنَ الْحُقُوقِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تعالى عليه وسلم) أي مجملا (وما يتعيّن له من بر) أي طاعة أو إحسان (وتوقير) أي تبجيل (وتعظيم وإكرام) وأمثال ذلك مفصلا (وبحسب هذا) بفتح السين أي على قدر ما يجب له ويتعين في حقه (حرّم الله تعالى أذاه في كتابه) وبين حرمته في فصل خطابه (وأجمعت الأمّة على قتل متنقّصه) بنوع من تحقيره خلاف ما يجب من توقيره (من المسلمين) بخلاف الكافرين (وسابّه) أي شاتمه بطريق الأولى في حقه ففي قاضيخان لو عاب الرجل النبي في شيء كان كافرا وكذا قال بعض العلماء لو قال لشعر النبي شعير فقد كفر وعن أبي حفص الكبير من عاب النبي بشعرة من شعراته الكريمة فقد كفر وذكر في الأصل أن شتم النبي كفر ولو قال جن النبي ذكر في نوادر الصلاة أنه كفر ويجوز أن يقال أغمي على النبي وهذا حكم المؤمن به وأما الكافر إذا تنقصه أو سبه قال بعضهم يقتل وقال بعضهم ينتقض عهده ويخرج من بلده فيبلغ مأمنه، (قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ) أي أبعدهم عن الرحمة (فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً [الأحزاب: ٥٧] ) وحجابا مبينا قال ابن عباس هم اليهود والنصارى والمشركون فأما اليهود فقالوا عزير ابن الله ويد الله مغلولة وقالوا إن الله فقير ونحن أغنياء وأما النصارى فقالوا المسيح ابن الله وثالث ثلاثة وأما المشركون فقالوا الملائكة بنات الله والأصنام شركاؤه قال البغوي وروينا عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أنه قال يقول الله يؤذيني ابن آدم بسبب الدهر وأنا الدهر بيدي الأمر أقلب الليل والنهار وأما ايذاء الرسول فقال ابن عباس هو أنه شجّ في وجهه وكسرت رباعيته وقيل ساحر شاعر معلم مجنون (وقال وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ [التوبة: ٦١] ) أي مؤلم بفتح اللام وكسرها وصدر الآية وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ نزلت في جماعة من المنافقين كانوا يؤذون النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وقالوا ما لا ينبغي فقال بعضهم لا تفعلوا فإنا نخاف أن يبلغه فيوقع بنا فقال الجلاس ابن سويد منهم بل نقول ما شئنا ثم نأتيه وننكر ما قلنا ونحلف فيصدقنا فإنما محمد أذن أي أذن سامعة فقال تعالى قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ الآية (وقال تَعَالَى: وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ) بنوع من الأذى لا في