حديث مسلم يحشر الناس أي أحياء إلى الشام على ثلاث طرائق راغبين راهبين واثنان على بعير وثلاثة على بعير وأربعة على بعير وعشرة على بعير ويحشر بقيتهم النار تقيل معهم حيث قالوا وتبيت معهم حيث باتوا وتصبح معهم حيث أصبحوا وتمسي معهم حيث أمسوا وأما ما بعد بعثهم من القبور فعلى خلاف هذه الصفة من ركوب الإبل والتعاقب عليها بل هو على ما ورد من كونهم حفاة عراة غرلا كما بدأكم تعودون هذا ووقع في أصل الدلجي والنشر بعد الحشر وفسره بالبعث وهو إعادة ما افناه ولا يخفى أنه لا يناسب المقام مع أنه لغة غير مطابق للمرام فالصواب ما قدمناه في الأصل من النسخ المصححة المشيرة إلى أن الحشر بعد النشر في علامات الساعة بخلاف يوم القيامة فإن الحشر قبل النشر لأنه يجمع الخلق أولا ثم يفرق بينهم كما أخبر عنه سبحانه وتعالى بقوله فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ، (وأخبار الأبرار) جمع بر أو بار أي وذكر أخبارهم بما يسرهم مجملا وتفصيلا لقوله صلى الله تعالى عليه وسلم إخبارا عن الله سبحانه وتعالى أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، (والفجّار) جمع فاجر من فاسق وكافر وأخبارهم أي بما يسوؤهم كقوله صلى الله تعالى عليه وسلم إن التجار يوم القيامة يبعثون فجارا إلا من اتقى الله وصدق، (والجنّة، والنّار) أي ومن ذكرهما (وعرصات القيامة) أي وذكر مواقفها من الميزان والحوض والصراط وغيرها وكان الأنسب تأخير الجنة والنار عن عرصات القيامة هذا وإن أردت تفصيل ذلك في الجملة فعليك بكتاب شيخ مشايخنا جلال الدين السيوطي المسمى بالبدور السافرة في أحوال الآخرة.
(وبحسب هذا الفصل) بسكون السين والياء زائدة كما في قولهم بحسبك درهم أي حسبك والمعنى كفى هذا الفصل من كماله في الفضل (أن يكون ديوانا مفردا) أي دفترا منفردا (يشتمل على أجزاء وحده) أي متوحدا غير منضم إلى غيره (وَفِيمَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ مِنْ نُكَتِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي ذكرناها كفاية) أي غنية لمن له دراية (وأكثرها في الصّحيح) أي رواية (وعند الأئمّة) أي من كتب أصحاب السنة (والله ولي التوفيق) أي بالهداية في البداية والنهاية.
فصل [في عصمة الله تعالى له صلى الله تعالى عليه وسلم من الناس وكفايته من آذاه]
(في عصمة الله تعالى له) أي في وقايته وحمايته (من الناس وكفايته من آذاه) أي وكفاية الله إياه شر من آذاه ممن عاداه ويروى وكفاية من آذاه (قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [المائدة: ٦٧] ) أي يمنعك منهم ويكفيك عنهم (وَقَالَ تَعَالَى: وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا [الطور: ٤٨] ) أي بمرأى منا ومرعى في حفظنا وجمع العين مناسبة لضميرها أو مبالغة في تعبيرها (وقال: أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ [الزمر: ٣٦] ) وفي إنكار النفي مبالغة في إثبات الكفاية (قيل بكاف محمّدا صلى الله تعالى عليه وسلم أعداءه المشركين) فالمراد بعبده الفرد الأكمل أو المعهود الأفضل ويؤيده أن المشركين كانوا يقولون له إنا نخاف أن يعتريك آلهتنا بسوء لتعييبك إياها وقد روي أنه صلى الله تعالى عليه وسلم بعث خالد بن الوليد إلى العزى ليكسرها فقال له