للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أرضعيه أي ما أمكنك إخفاؤه فإذا خفت عليه الآية (وقد قيل ذلك) أي ما ذكر من الوحي بمعنى الإلهام أو المنام (فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً [الشُّورَى: ٥١] أَيْ مَا يلقيه في قلبه) يعني الهاما أو مناما (دون واسطة) أي كما يفهم من المقابلة بقوله أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ كموسى عليه السلام أو يرسل رسولا كجبريل أو غيره من الملائكة فالواسطة إما معنوية أو صورية ودونها مختصة بالواقعة القلبية والله سبحانه وتعالى أعلم بحقائق القضية.

فصل [اعلم أن معنى تسميتنا ما جاءت به الأنبياء معجزة]

(اعلم أنّ معنى تسميتنا ما جاءت به الأنبياء) أي من الآيات الخارقة للعادة (معجزة هو أنّ الخلق) أي المرسل إليهم (عجزوا) بفتح الجيم وهي اللغة الفصحى ومنه قوله تعالى أَعَجَزْتُ وتكسر على لغة فالمستقبل على عكسهما أي لم يقدروا حيث ضعفوا (عن الإتيان بمثلها) فكأنها أعجزتهم عن معارضة إظهار نظيرها وإلا فالمعجز في الحقيقة هو الله سبحانه وتعالى كما أنه قادر على اقدار العبد بنحوها أو على ابدائها على يد مظهرها والتاء للمبالغة أو لكونها وصفا للآية الخارقة للعادة (وهي) أي المعجزة (على ضربين) أي صنفين من حيث كونها مقدورة للبشر وغير مقدورة لهم، (ضرب هو من نوع قدرة البشر) أي في الجملة أو بالقوة على تقدير خلق القدرة فيه بأن يمكن دخوله تحت قدرتهم (فعجزوا عنه) أي بناء على صرفهم (فتعجيزهم) أي تعجيز الله تعالى إياهم (عنه) بصرف توجههم عَنْهُ (فِعْلٌ لِلَّهِ دَلَّ عَلَى صِدْقِ نَبِيِّهِ) لأنه كصريح قوله صدق عبدي في دعواه الرسالة لجري العادة بخلقه تعالى عقبه علما ضروريا بصدقه كمن قال لجمع أنا رسول الله إليكم ثم نتق فوقهم جبلا ثم قال إن كذبتموني وقع عليكم وإن صدقتموني أنصرف عنكم فكلما هموا بتصديقه بعد عنهم أو بتكذيبه قرب منهم فإنهم يعلمون حينئذ ضرورة صدقه مع قضاء العادة بامتناع صدور ذلك من الكاذب (كصرفهم) أي كصرف الله تعالى لكفار اليهود (عن تمنّي الموت) بقوله تعالى قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ثم أخبر عنهم بقوله وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ وقد قال صلى الله تعالى عليه وسلم لو تمنوا اليهود الموت لماتوا ورأوا مقاعدهم من النار كما رواه البخاري وغيره (واعجازهم) بالجر عطفا على صرفهم أي وكاعجاز المشركين وغيرهم (عَنِ الْإِتْيَانِ بِمِثْلِ الْقُرْآنِ عَلَى رَأْيِ بَعْضِهِمْ) أي أنه بناء على صرفهم كالنظام من المعتزلة والمرتضى من الشيعة والحق إن عجزهم عنه إنما كان لعلو درجته في فصاحته وبلاغته وغرابة أساليبه وجزالة تراكيبه مع اشتماله على أخبار الأولين وآثار الآخرين وتضمنه للأمور الغيبية الواقعة سابقا ولاحقا فهو معجزة من جهة المبنى ومن حيثية المعنى (ونحوه) أي وكتعجيزهم عن نحو الإتيان بمثل القرآن من سائر خوارق العادة (وضرب) أي نوع من المعجزة (هو

<<  <  ج: ص:  >  >>