فصل [وَمِنْ وُجُوهِ إِعْجَازِهِ الْمَعْدُودَةِ كَوْنُهُ آيَةً بَاقِيَةً لا تعدم ما دامت الدنيا]
(ومن وجوه إعجازه المعدودة) أي عند علماء الأعيان (كونه آية باقية) أي على صفحات الزمان متلوة في كل مكان (لا تعدم ما بقيت الدّنيا) أي لا تفقد مدة ما أراد الله تعالى بقاء الدنيا وأهلها في خير وعافية (مع تكفّل الله تعالى بحفظه) أي من النقصان والزيادة (فقال) أي الله سبحانه وتعالى ردا لإنكارهم واستهزائهم في يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ [الحجر: ٩] ) أي بحملنا القرآن على حفظه ولذا ورد أهل القرآن أهل الله وخاصته (وَقَالَ لَا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ [فصلت: ٤٢] ) أي لا يجد إليه سبيلا ليتعلق به (الآية) يعني تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (وسائر معجزات الأنبياء عليهم السلام) أي حتى سائر معجزات نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم (انقضت بانقضاء أوقاتها) أي مضت بانقطاع ساعاتها (فلم يبق) وفي نسخة ولم يبق (إلّا خبرها) أي عند أرباب أثرها (والقرآن العزيز) أي البديع المنيع (الباهرة آياته الظّاهرة معجزاته) أي اللائحة مبانيه واللامعة معانيه (على ما كان عليه) أي في أول مباديه (اليوم) بالنصب أي إلى يومنا هذا (مدّة خمسمائة عام وخمس وثلاثين سنة) وفي نسخة وسبع عطف بيان وقال الدلجي اليوم خبر المبتدأ أعني القرآن وما بينهما صفات له هذا وفي نسخة منذ خمسمائة عام الخ وهذا تاريخ زمن المصنف رحمه الله تعالى ولذا قال (لأوّل نزوله إلى وقتنا هذا) ونقول وكذا مدة ألف وزيادة عشر إلى زماننا هذا (حجّته قاهرة) أي بينته غالبة وفي نسخة ظاهرة أي مبينة (ومعارضته ممتنعة والأعصار) أي أهلها من أرباب القرى وأصحاب الأمصار (كلّها طافحة) أي مملوءة وفائضة (بأهل البيان) أي في الفصاحة (وحملة علم اللّسان) أي اللغة (وأئمّة البلاغة وفرسان الكلام) أي في ميدان المرام (وجهابذة البراعة) أي المهرة في تقدم الصناعة وهو بفتح الجيم وكسر الموحدة جمع الجهبذ والبراعة مصدر برع إذا فاق، (والملحد) أي والحال أن المائل عن الحق إلى الباطل (فيهم كثير والمعادي للشّرع عتيد) أي المخالف والمناوي لهم حاضر مهيأ في مقام النكير وفي نسخة عنيد بالنون أي معاند شرير (فما منهم من أتى بشيء يؤثر) أي يروى (في معارضته ولا ألّف كلمتين) أي ولا ركبهما وألف بينهما (فِي مُنَاقَضَتِهِ وَلَا قَدَرَ فِيهِ عَلَى مَطْعَنٍ صحيح) أي لم يجد في القرآن محلا يتعلق به طعن صحيح أو عيب صريح (وَلَا قَدَحَ الْمُتَكَلِّفُ مِنْ ذِهْنِهِ فِي ذَلِكَ) أي في طعنه (إلّا بزند شحيح) أي بإخراج النار عند وريه فلم يور بقدحه وتحقيقه أن الزند بفتح الزاء وسكون النون قد يراد به موصل طرف الذراع في الكف وقد يطلق على العود الذي يقدح به النار وهو الأعلى والزندة بالهاء هي السفلى وهو في المدن قطعة حديد تضرب بحجر صلد والظاهر أن القاضي قصد معنيي الزند ووصف كلا منهما بالشحيح أما العضو فشحه أن لا يخرج درهما أو دينارا وأما زند النار فشحه كونه لا يخرج نارا وفي