للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا معنى قوله (فلمّا أخبروه برأيهم رجع عنه) أي عن رأيه، (فمثل هذا) أي ما ذكر عن الحباب ببدر وعن الأنصار في الأحزاب (وأشباهه من أمور الدّنيا) ما لم يكن به الاعتناء (وهي الَّتِي لَا مَدْخَلَ فِيهَا لِعِلْمِ دِيَانَةٍ وَلَا اعتقادها ولا تعليمها) أي مما لم يؤمر به بيانا وتعليما وتبيانا (يجوز عليه فيها ما ذكرناه) وفي نسخة ما ذكروا أي من أنه صلى الله تعالى عليه وسلم قد يظن شيئا على وجه ويظهر خلافه، (إذ ليس في هذا كلّه نقيصة) أي منقصة (ولا محطّة) له عن رفعة مرتبة وعلو منزلة (وإنّما هي أمور اعتياديّة) اعتادها الناس وألفوها (يعرفها من جرّبها) مرة بعد أخرى (وجعلها همّه) أي غاية همه فيها (وشغل نفسه بها) وعالجها وعاناها (والنبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم) يقول في دعائه ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا وهو (مشحون القلب) أي مملوءة (بمعرفة الرّبوبيّة) وما يتعلق بها من آداب العبودية (ملآن الجوانح) أي الاضلاع وفي نسخة الجوارح (بعلوم الشّريعة مقيّد البال) أي مربوط القلب في جميع الحال (بمصالح الأمّة الدّينيّة والدّنيويّة) أي التي لها تعلق بالأمور الأخروية (ولكن هذا) أي ما يظنه على وجه ويظهر خلافه (إنّما يكون في بعض الأمور) الدنيوية أي التي ليس لها تعلق أصلا بالأحوال الدينية (ويجوز) أي وقوع مثله عنه (في النادر وفيما سبيله التّدقيق) أي تدقيق النظر وتحرير الفكر (في حراسة الدّنيا) بكسر أوله أي محافظتها ومراعاتها (واستثمارها) أي تحصيل ثمرتها ونتيجتها المترتبة عليها (لا في الكثير) من أمورها (المؤذن بالبله) بفتحتين أي المشير إلى البلاهة (والغفلة) المؤذنة بقلة شعورها والحاصل أنه عليه الصلاة والسلام واتباعه الكرام كانوا على ضد حال الكفار وأرباب الكفر اللئام كما قال الله تعالى يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ (وقد تواتر بالنّقل) من جمع يمتنع من تكذيبهم العقل (عنه صلى الله تعالى عليه وسلم من المعرفة بأمور الدّنيا) وأحوالها (وَدَقَائِقِ مَصَالِحِهَا وَسِيَاسَةِ فِرَقِ أَهْلِهَا مَا هُوَ معجز في البشر) حيث لم يقدر أحد أن يأتي بنظام أمور هذا الباب (مِمَّا قَدْ نَبَّهْنَا عَلَيْهِ فِي بَابِ مُعْجِزَاتِهِ من هذا الكتاب) .

فصل [وَأَمَّا مَا يَعْتَقِدُهُ فِي أُمُورِ أَحْكَامِ الْبَشَرِ إلى آخره]

(وأما ما يعتقده) وفي حاشية الحجازي ويروى بضم أوله وفتح ثالثه والقاف (فِي أُمُورِ أَحْكَامِ الْبَشَرِ الْجَارِيَةِ عَلَى يَدَيْهِ) صلى الله تعالى عليه وسلم (وقضاياهم) المرفوعة منهم إليه (ومعرفة المحق من المبطل) وأغرب التلمساني في ضبطهما بصيغة المفعول وتفسيرهما بالحق والباطل وغرابته من جهة المبنى والمعنى في هذا المقام مما لا يخفى (وعلم المصلح من المفسد) من يداخل بإصلاح أو إفساد من العباد في أمور البلاد (فبهذا السّبيل) أي ما ذكر هنا من معتقده ومعرفته على الوجه الجميل (لقوله عليه الصلاة والسلام) فيما رواه الشيخان وغيرهما عن أم سلمة (إنّما أنا بشر) وإنما يوحى إلي أحيانا (وإنّكم تختصمون) بينكم

<<  <  ج: ص:  >  >>