من ثبوتها ووقوعها (اعتقد) بصيغة المجهول وفي نسخة احتمل (وَوَجَبَ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ إِذْ لَا اسْتِحَالَةَ فِيهِ) أي في جواز الرؤية وحصولها (ولا مانع قطعيّ) أي من جهة شهود العقل أو ورود النقل (يردّه) أي عند المحقق (والله الموفّق للصّواب) أقول والله سبحانه وتعالى أعلم أنه يمكن الجمع بين الأدلة في هذه المسألة المشكلة بأن ما ورد مما يدل على إثبات الرؤية إنما هو باعتبار تجلي الصفات وما جاء مما يشير إلى نفي الرؤية فهو محمول على تجلي الذات إذ التجلي للشيء إنما يكون بالكشف عن حقيقته وهو محال في حق ذاته تعالى باعتبار احاطته وحياكته كما يدل عليه قوله تعالى لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وقوله سبحانه وتعالى وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً ومما يؤيده أنه قال تعالى فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا ففي ذكر الرب والجعل تلويح لما قررناه وكذا في قوله تعالى وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ تلميح لما حررنا وكذا في قوله صلى الله تعالى عليه وسلم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته تصريح بما قررنا والحاصل أن ما علم يقينا من معرفته في الدنيا يصير عين اليقين بها في العقبى مع أن التجليات الصفاتية الكاشفة عن الحقيقة الذاتية لا نهاية لها في المقامات الأبدية والحالات السرمدية فالسالك المنتهي في السير إلى الله تعالى يكون في الجنة أيضا سائرا في الله كما قال تعالى وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى مع أنه لا نهاية لآخريته كما أنه لا بداية لأوليته فهو الأول والآخر والباطن والظاهر وهو أعلم بالظواهر والضمائر وما كشف للعارفين من الحقائق والسرائر.
فصل [في فوائد متفرقة]
في فوائد متفرقة مما وقع له صلى الله تعالى عليه وسلم في ليلة الإسراء (وأمّا ما ورد في هذه القصّة) أي قصة الإسراء (من مناجاته لله عز وجل) أي مكالمته سرا (وكلامه معه) جهرا أو من محادثته صلى الله تعالى عليه وسلم سبحانه وتعالى وكلام الله معه عز شأنه (بقوله) أي بدليل ما ورد من قوله تَعَالَى (فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ مَا أَوْحى
[النَّجْمُ: ١١] إلى ما تضمّنتصه الأحاديث) أي ما وردت به السنة مما سيذكر في هذا المعنى (فَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّ الْمُوحِيَ هُوَ اللَّهُ تعالى إلى جبريل وجبريل إلى محمّد إلّا شذوذا منهم) أي إلا طائفة قليلة من المفسرين خارجة عن جمهورهم منفردة عنهم (فذكر عن جعفر بن محمّد الصّادق) صفة جعفر (قال أوحى إليه بلا واسطة) أي كما يقتضيه مقام الكرامة وحالة المباسطة (ونحوه عن الواسطيّ) أي منقول (وإلى هذا) أي قوله (ذَهَبَ بَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ أَنَّ مُحَمَّدًا كَلَّمَ رَبَّهُ في الإسراء) أي في ليلته أو حالته (وحكي عن الأشعري) أي القول بأنه كلمه فيها (وَحَكَوْهُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنْكَرَهُ) أي نفي تكليمه بلا واسطة (آخرون) وسيرد ما يردهم (وَذَكَرَ النَّقَّاشُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قِصَّةِ الإسراء عنه صلى الله تعالى عليه وسلم في قوله دَنا فَتَدَلَّى أي النبي صلى الله تعالى عليه وسلم (فارقني جبريل) أي في مقام معين له كما أخبر الله