للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل [قد استبان لك أيها الناظر بما قررناه ما هو الحق من عصمته عليه السلام]

(قد استبان) أي ظهر وتبين (لك أيّها النّاظر) أي المتأمل (بما قرّرناه) من الكلام وحررناه من المرام (ما هو الحقّ من عصمته عليه الصلاة والسلام) وكذا عصمة سائر الأنبياء عليهم السلام وكان الأطهر أن يقول من عصمتهم عليهم السلام (عن الجهل بالله تعالى) أي بذاته (وصفاته) وأفعاله ومصنوعاته (وكونه) وفي نسخة أو كونه أي كون النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بخصوصه أي بجنسه (عَلَى حَالَةِ تُنَافِي الْعِلْمَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ) أي مما ذكر من الذات والصفات (كلّه) جميعه (جملة) أي إجمالا لا تفصيلا إذ يحيط به أحد علما وهذه العصمة ثابتة له (بعد النّبوة عقلا وإجماعا وقبلها سماعا ونقلا) كان الأولى بحسب السجع نقلا وسماعا ومؤداهما واحد والمراد بالسماع ما ثبت بالسنة وبالنقل ما نقل عن الأئمة وذلك كحديث الصحيحين ما من مولود يولد إلا على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جدعاء هل تحسون فيها من جدعاء ثم يقول أبو هريرة رضي الله تعالى عنه اقرؤوا إن شئتم فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وحديث كل عبادي خلقت حنفاء فاجتالتهم الشياطين عن دينهم فأمروهم أن يشركوا بي غيري ومن المعلوم استثناء الأنبياء إذ لم يجعل للشيطان عليهم سبيلا في الاغواء قال تعالى إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ وقوله (فاجتالتهم) بالجيم أي استخفتهم فجالوا معه في ميدان الضلالة يهيمون وروي بالحاء أي نقلتهم من حال إلى حال فهم في طغيانهم يعمهون (ولا بشيء) أي ولا على حالة تنافي العلم بشيء (ممّا قرّرناه) أي النبي (من أمور الشّرع وأدّاه عن ربّه عز وجل من الوحي) أي الجلي أو الخفي من الكتاب والسنة (قطعا) أي بلا شبهة (وعقلا وشرعا) أي من الجهتين (وعصمته) أي ومن عصمة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم (عن الكذب) في القول مطلقا (وخلف القول) في الإخبار (منذ نبّأه الله تعالى) أي من ابتداء ما أظهر نبوته خصوصا (وأرسله) إلى أمته (قصدا أو غير قصد) أي لا عن عمد ولا عن خطأ (واستحالة ذلك) أي ومن استحالة ما ذكر من الكذب والخلف (عليه شرعا) أي سمعا (وإجماعا ونظرا) أي عقلا (وبرهانا) أي بيانا ظاهرا (وتنزيهه عنه) أي عن الكذب (قبل النّبوّة قطعا) لئلا تقع الأمة في الشبهة بعدها أصلا (وتنزيهه عنه الكبائر إجماعا) من غير التفات لمن خالف فيه سمعا أو عقلا (وعن الصّغائر تحقيقا) لحملها على خلاف الأولى تدقيقا (وعن استدامة السّهو والغفلة) توفيقا وقد قيل:

يا سائلي عن رسول الله كيف سها ... والسهو من كل قلب غافل لاه

قد غاب عن كل شيء سره فسها ... عما سوى الله في التعظيم لله

(وَاسْتِمْرَارِ الْغَلَطِ وَالنِّسْيَانِ عَلَيْهِ فِيمَا شَرَعَهُ لِلْأُمَّةِ) من الأحكام واجبا ومندوبا وحراما ومكروها وخلاف الأولى ومباحا (وعصمته) أي ومن عصمته (فِي كُلِّ حَالَاتِهِ مِنْ رِضًى

<<  <  ج: ص:  >  >>