الْفَصْلُ الرَّابِعُ [فِي قَسَمِهِ تَعَالَى بِعَظِيمِ قَدْرِهِ صلى الله تعالى عليه وسلم]
(في قسمه تعالى بعظيم قدره) القسم بفتحتين الحلف (قال الله تعالى: لَعَمْرُكَ أي قسمي يا محمد لعمرك (إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ) أي غمرتهم وغفلتهم (يَعْمَهُونَ [الحجر: ٧٢] ) أي يتحيرون ويترددون والضمير لقوم لوط وقيل راجع إلى قريش وهو بعيد جدا غير ملائم للسابق واللاحق على ما ذكروه والأظهر أن الجملة قسمية معترضة فيما بين القصة فلا يبعد أن يكون الضمير راجعا إلى كفار قومه صلى الله تعالى عليه وسلم وهو الملائم لخطابه وحكاية غفلتهم عن جنابه ثم رأيت الطبري جزم بأن ضمير يعمهون لقريش والجملة اعتراض بين الأخبار بقبائح قوم لوط وبين الأخبار بهلاكهم تنبيها على أن من كان هذا دأبه فجدير أن لا ينفعه تأديب ولا يؤثر فيه تأنيب وتنفيرا للسامع عن هذه القبائح المورثة للفضائح (اتّفق أهل التّفسير في هذا) أي قوله لعمرك (أنّه قسم من الله تعالى بمدّة حياة محمّد صلى الله تعالى عليه وسلم) وقيل المراد به لوط كما ذكره البيضاوي فالمراد بأهل التفسير أكثرهم وجمهورهم مع أن البغوي أيضا اقتصر على الأول ثم إذا كان المراد به لوطا فالقائل الملك لئلا ينافي ما رواه البيهقي وابن أبي شيبة وابن جرير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ما حلف الله تعالى بحياة أحد إلا بحياة محمد صلى الله تعالى عليه وسلم إلا قال لعمرك بل أخرجه ابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه مرفوعا قال ما حلف الله بحياة أحد إلا بحياة محمد صلى الله تعالى عليه وسلم قال لعمرك، (وأصله) أي أصل الاستعمال لعمرك (بضمّ الْعَيْنِ مِنَ الْعُمْرِ وَلَكِنَّهَا فُتِحَتْ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ) والأظهر أن يقال العمر بضمتين وهو الأفصح الوارد في القرآن وبالضم والفتح أيضا على ما في القاموس إلا أنه لا يستعمل في القسم إلا بالفتح لخفة لفظه وكثرة دورانه كما في البيضاوي وغيره، (ومعناه) أي كما رواه أبو الجوزاء عن ابن عباس، (وبقائك) أي ومدة بقائك في الدنيا (يا محمّد) كقوله تعالى وَالْعَصْرِ أي عصر نبوته في قول أو بقائك بنا بعد فنائك فينا، (وقيل) أي كما رواه ابن ابي طلحة عن ابن عباس أيضا وعزى إلى الأخفش (وعيشك) أي وطيب معيشتك في الكونين لقوله تعالى فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً أي في الدنيا بالزهد فيها والتقليل منها والصبر على مرّها والشكر على حلوها (وقيل وحياتك) أي باسمنا المحيي والتخصيص للتشريف والكل بمعنى واحد وإنما ذكرها لاختلاف ألفاظها، (وهذه) أي المعاني كلها (نهاية التّعظيم وغاية البرّ) أي التكريم، (وَالتَّشْرِيفِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا) أي فيما رواه البيهقي في دلائله وأبو نعيم وأبو يعلى (ما خلق الله تعالى) أي ما قدر (وما ذرأ) أي خلق وكأنه مختص بالذرية وفي الحديث أنهم ذرء النار أي أنهم خلقوا لها (وما برأ) أي خلق الخلق من البراء وهو التراب أو مختص بذات الروح ولذا يقال يا بارئ النسمة أو معناه خلق خلقا بريئا من التفاوت أو أريد بالثلاثة معنى واحد وكرره للتأكيد كما