للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عند قراءته على حمزة وقيل لأنه أحرم بكساء وهذا القول جزم به أبو عمرو الداني في التيسير ونظمه الشاطبي في كتابه وهو أحد القراء السبعة والإمام في النحو واللغة من أهل الكوفه روى عن أبي بكر بن عياش وحمزة الزيات وابن عيينة وغيرهم وعنه الفراء وأبو عبيد القاسم بن سلام وغيرهما توفي سنة تسع وثمانين ومائة بالري وقيل بطوس والحاصل أنهما قالا في معنى لا يكذبونك بالتخفيف: (لا يقولون إنّك كاذب) فيكون معناه النسبة كالإكفار والتكفير وهو أنسب للجمع في المعنى بين القراءتين، (وقيل لا يحتجّون) أي لا يستدلون (على كذبك ولا يثبتونه) أي شبهة فضلا عن حجة وهو راجع إلى قولهما في المعنى وإن اختلف في المبنى، (ومن قرأ بالتّشديد) وهم الباقون، (فَمَعْنَاهُ لَا يَنْسِبُونَكَ إِلَى الْكَذِبِ، وَقِيلَ لَا يعتقدون كذبك) وهو خلاصة المعنيين وزبدة القراءتين (وممّا ذكر من خصائصه) أي الدالة على زيادة قدره (وبرّ الله تعالى به) أي اكرامه له من بين أصفيائه (أنّ الله تعالى خاطب جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام) أي المذكورين في القرآن (بأسمائهم) أي بأعلامهم دون أوصافهم الدالة على إعظامهم (فقال يا آدم) أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ، (يا نوح) اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا، (يا إبراهيم) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا، (يا موسى) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ، (يا داود) إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً، (يا عيسى) إِنِّي مُتَوَفِّيكَ، (يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ (يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وأمثال ذلك، (ولم يخاطب) بفتح الطاء ويروى ولم يخاطبه كذا ذكره الحجازي لكن لا يلائمه قوله (هو) ولعله غير موجود في تلك الرواية (إِلَّا: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ، يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ، يا أيّها المزّمّل يا أيّها المدّثر) يعني فهذا كله دال على رفعة منزلته عنده فإن السيد إذا دعا أحد عبيده بأوصافه المرضية وأخلاقه العلية ودعا غيره باسمه العلم الذي لا يشعر بوصف من الأوصاف الجلية دل على أن عزته عنده أكثر من غيره كما في عرف المخاطبة وآداب المحاورة ومعنى المزمل وأصله المتزمل المتغطي بالثوب وكذا المدثر لقوله صلى الله تعالى عليه وسلم لخديجة رضي الله عنها حين رجع من غار حراء بعد ما حاوره الملك ما حاوره زملوني زملوني وفي رواية أخرى دثروني دثروني على ما ورد في الصحيح وإنما خوطب بالمزمل في هذا والمدثر في هذا المقام للملاطفة والتأنيس إذ من عادة العرب إذا قصدت الملاطفة أن تسمي المخاطب باسم تشتقه من الحالة التي هو فيها كقوله عليه الصلاة والسلام لحذيفة قم يا نومان ولعلي بن أبي طالب وقد نام في التراب قم يا أبا تراب هذا بحسب دلالة الخطاب ومن ذلك أنه تعالى منع الخلق صريحا أيضا في الكتاب لسد هذا الباب حيث قال لَا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً وقد قال كثير من العلماء أي لا تقولوا يا محمد يا أحمد ونحوهما ولكن قولوا يا رسول الله يا نبي الله وإن مناداته عليه الصلاة والسلام بأسمائه الاعلام من نوع الحرام في الأحكام.

<<  <  ج: ص:  >  >>