الْبَابُ الثَّالِثُ (فِي حُكْمِ مَنْ سَبَّ اللَّهَ تعالى وملائكته وأنبياءه وكتبه وآل النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم وأزواجه وصحبه
لا خلاف أنّ سابّ الله تعالى) بنسبة الكذب أو العجز إليه ونحو ذلك (من المسلمين كافر) قلت ومن الذميين أيضا كافر حربي (حلال الدّم) بل واجب السفك (واختلف في استتابته) أي قبول توبته (فقال ابن القاسم في المبسوط) وفي نسخة المبسوطة (وفي كتاب ابن سحنون ومحمد) أي ابن المواز (وَرَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي كِتَابِ إِسْحَاقَ بْنِ يَحْيَى مَنْ سَبَّ اللَّهَ تَعَالَى مِنَ الْمُسْلِمِينَ قُتِلَ وَلَمْ يُسْتَتَبْ إِلَّا أَنْ يكون) أي هو (افترى) وفي نسخة إلا أن يكون أي سبه افتراء (على الله بارتداده) أي مصحوبا به (إلى دين) غير دين الإسلام (دان به) أي اتخذه دينا وفيه أنه لا يتصور دين يجوز سبه سبحانه وتعالى فيه (وأظهره) أي دينه (فيستتاب وإن لم يظهره لم يستتب) أي وقتل لأنه لو استتيب لأظهر التوبة وأخفى الكفر كالزنديق، (وقال في المبسوطة مطرّف) أي ابن عبد الله وهو ابن أخت مالك (وعبد الملك) أي ابن حبيب أو الماجشون (مثله) ما مر من التفصيل وفي نسخة قال مطرف وعبد الملك في المبسوطة مثله وهو أولى كما لا يخفى؛ (وقال المخزوميّ ومحمد بن مسلمة وابن أبي حازم) مات يوم الجمعة وهو ساجد في مسجد النبي عليه الصلاة والسلام سنة أربع وثمانين ومائة (لا يقتل المسلم بالسّبّ) أي مطلقا أظهر أو لم يظهر (حتّى يستتاب) أي على طريق الوجوب أو الاستحباب كما عليه الجمهور في هذا الباب (وَكَذَلِكَ الْيَهُودِيُّ وَالنَّصْرَانِيُّ فَإِنْ تَابُوا قُبِلَ مِنْهُمْ) توبتهم (وَإِنْ لَمْ يَتُوبُوا قُتِلُوا وَلَا بُدَّ مِنَ الاستتابة) فيه إيماء إلى وجوبها (وذلك كلّه كالرّدّة وهو) أي هذا التفصيل هو (الَّذِي حَكَاهُ الْقَاضِي ابْنُ نَصْرٍ عَنِ الْمَذْهَبِ) أي مذهب مالك (وَأَفْتَى أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي زَيْدٍ فِيمَا حكي عنه) بصيغة المجهول (في رجل لعن رجلا ولعن الله عز وجل فقال) أي اللاعن (إِنَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أَلْعَنَ الشَّيْطَانَ فَزَلَّ لِسَانِي) أي زلق (فقال) أي ابن أبي زيد (يقتل بظاهر كفره ولا يقبل عذره) لاحتمال كذبه مع ظهور كفره (وَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَمَعْذُورٌ) استصحابا لإيمانه مع جزمه به وأقول الصواب إنه إن استغفر وتاب لا يقتل لقوله عليه الصلاة والسلام رفع عن أمتي الخطأ والنسيان (واختلف فقهاء قرطبة) بضم القاف والطاء بينهما راء ساكنة فموحدة بلد بالمغرب (فِي مَسْأَلَةِ هَارُونَ بْنِ حَبِيبٍ أَخِي عَبْدِ الملك الفقيه وكان) أي هارون (ضيّق الصّدر) أي سيئ الخلق (كثير التّبرّم) أي الضجر وقلة الصبر (وكان قد شهد عليه بشهادات) متعددة في حقه (منها) ولعلها اعظمها (أنه