انبيائهم واختبارهم في ولائهم عند بلائهم وابتلائهم (بهم) أي بقومهم وأقوالهم (وسلّاه) أي النبي عليه الصلاة والسلام (بذلك) أي بما ذكر من ابتلاء الأنبياء (عن محنته) أي بليته عليه الصلاة والسلام (بمثله) أي بنظير ما فعل الأمم بالأنبياء (من كفّار مكّة) في تأذيتهم له (وأنّه) أي وبأنه (ليس أوّل من لقي ذلك) أي الايذاء من قومه (ثمّ) أي بعد أن سلاه (طيّب نفسه) أي أرضاه (وأبان عذره) أي أظهره (بقوله تعالى: فَتَوَلَّ عَنْهُمْ [الذاريات: ٥٤] ) إشفاقا عليه بترك معالجتهم (أي أعرض عنهم) أي بعد ما بذلت جهدك في الدعوة والزمت عليهم الحجة (فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ [الذاريات: ٥٤] ) في مكالمتهم (أي) حينئذ (في أداء ما بلّغت) أي من الإعلام (وإبلاغ ما حمّلت) بضم حاء وتشديد ميم مكسورة أي كلفت من الأحكام والمعنى فما تلام في إعراضك عنهم بعد ما كررت عليهم مبالغا في تبليغ ما أمرت به لهم (وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا [الطور: ٤٨] ) أي بمرأى منا (أي اصبر على أذاهم) أي وبقائك في عناهم (فإنّك بحيث نراك ونحفظك) وجمع العين لجمع الضمير مبالغة في كثرة أسباب الحفظ والعصمة؛ (سلّاه الله تعالى بهذا) أي بما ذكر (في آي كثيرة من هذا المعنى) أي كما لا يخفى على حفاظ المبنى.
الفصل السّابع [فيما أخبره الله بِهِ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ مِنْ عَظِيمِ قَدْرِهِ]
(فِيمَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فِي كِتَابِهِ العزيز) أي الذي لَا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ أو الغالب على سائر الكتب بنسخه إياها والنادر في الوجود لبقائه على صفحات الدهر إلى اليوم الموعود (من عظيم قدره) أي مرتبته (وشريف منزلته) أي يشهدان بفضيلته (على الأنبياء وحظوة رتبته) بكسر الحاء وضمها وسكون الظاء المعجمة وقد تقدمت ومن بيان لما (في قوله تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ) هو كما اختاره المصنف على ظاهره من أخذ الميثاق عليهم بما ذكر أو ميثاقهم الذي وثقوه على أممهم (لَما آتَيْتُكُمْ) وفي قراءة نافع آتيناكم واللام موطئة القسم لأن أخذ الميثاق بمعنى الاستحلاف وما شرطية والتقدير لمهما آتيتكم وهو ظاهر قول سيبويه ودخلت اللام عليها كما تدخل على إن إذا كان جوابها قسما نحو قوله تعالى وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أو موصولة صلتها ما بعدها والعائد محذوف أي الذي آتيتكموه (مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ [آل عمران: ٧٩] ) من لبيان ما (إلى قوله) تعالى (مِنَ الشَّاهِدِينَ [آل عمران: ٨١] ) يعني ثم جاءكم وهو عطف على صلتها وعائدها محذوف أي جاءكم به رسول مصدق وقرأ حمزة لما بالكسر على أن ما مصدرية أي لأجل إتياني إياكم بعض الكتاب والحكمة ثم مجيء رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أي الله تعالى للنبيين أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي أي قبلتم عهدي قالوا أقررنا قال فاشهدوا أي بعضكم على بعض بالإقرار وأنا معكم من الشاهدين على إقراركم ونشاهدكم وهذا توكيد عظيم وتعظيم جسيم مع علمه تعالى بأنهم لا يدركون زمانه ولا