الآداب (سوى ما قدّمناه) أي من أنواع الاستحباب (وفضله) أي فضل مسجده (وفضل الصّلاة فيه) أي وما يتعلق به (وفي مسجد مكّة) طردا للباب وما يتعلق به من بعض الأبواب (وذكر قبره ومنبره) أي وشرف ما بينهما وقدره (وفضل سكنى المدينة ومكّة) أي سكانهما ومجاوري مكانهما وقدم المدينة بناء على معتقد مالك ومن وافقه على ذلك (قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ)[التوبة: ١٠٨] واختلف المفسرون في المراد به (روي أنّ النبيّ صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ أَيُّ مَسْجِدٍ هُوَ قَالَ مسجدي هذا) رواه مسلم والترمذي وصححه والنسائي عن أبي سعيد وأحمد عن أبي بن كعب وسهل بن سعد وفي رواية لمسلم هو مسجدكم هذا مسجد المدينة فكان الأولى للمصنف أن يقول فقد ورد أو ثبت إذ روى بصيغة المجهول موضوعة للتمريض غالبا (وهو قول ابن المسيّب) بفتح الياء وكسرها وهو من أكابر التابعين فكان الأولى أن يؤخره عن قوله (وزيد بن ثابت وابن عمر) ثم يقول بعده (ومالك بن أنس وغيرهم) وأما ما ذكره الحلبي من أن اللائق تقديم ابن عمر على زيد بن ثابت فغير ثابت لأن زيدا من أكابر الصحابة وممن أخذ عنه ابن عباس وغيره وهو أجل كتبة الوحي وقد ورد في حقه أفرضكم زيد أي أعلمكم بالفرائض وهو إمام في علم القراءة والكتابة وغيرهما وابن عمر من صغار الصحابة والطبقة الثانية منهم رضي الله تعالى عنهم (وعن ابن عباس أنّه مسجد قباء) أي لأنه اسسه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وصلى فيه أيام إقامته بها من يوم الاثنين إلى يوم الجمعة وهو أوفق للقصة في سبب نزول الآية فقد روي أن بني عمرو بن عوف لما بنوا مسجد قباء سألوا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أن يأتيهم فأتاهم فصلى فيه فحسدتهم إخوانهم بنو غنم بن عوف فبنوا مسجدا فقالوا قد بنينا مسجدا لذي الحاجة والعلة فصل فيه حتى تتخذه مصلى فقال أنا على جناح سفر وإذا قدمنا إن شاء الله تعالى صلينا فيه فلما رجع كرروا عليه فنزلت ويؤيده أنه روى البخاري في تاريخه وجماعة عن محمد بن عبد الله بن سلام أنه قاله لما أتى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم المسجد الذي أسس على التقوى مسجد قباء قال إن الله تعالى قد أثنى عليكم في الطهور خيرا أفلا تخبروني فقالوا يا رسول الله إنا لنجد مكتوبا علينا في التوراة الاستنجاء بالماء ونحن نفعله اليوم كذا ذكره شيخ مشايخنا الحافظ السيوطي في الدر المنثور في التفسير المأثور ويقويه ما رواه الترمذي وأبو داود أن هذه الآية نزلت في أهل قباء فيه رجال يحبون أن يتطهروا وكذا ما رواه ابن ماجه أن هذه الآية لما نزلت فيه رجال قال عليه الصلاة والسلام واقفا على باب مسجد قباء يا معشر الأنصاري أن الله تعالى قد أثنى عليكم في الطهور فما طهوركم الحديث وعندي أن الجمع ممكن بأن يراد به جنس المسجد الذي أسس على التقوى وأن ما ذكر من الطهور لأهل قباء لا ينافي الحمل على أهل مسجده من الأنصار والله أعلم بحقائق الأخبار ودقائق الأسرار (حدّثنا هشام) وفي نسخة هاشم (بْنُ أَحْمَدَ الْفَقِيهُ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ قَالَ حَدَّثَنَا الحسين) بالتصغير والأصح كما في