فِي الْمَبْسُوطِ وَلَيْسَ يَلْزَمُ مَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وخرج منه من أهل المدينة) أي كلما دخل به وخرج منه (الوقوف بالقبر) أي للزيارة (وإنّما ذلك) أي لازم (للغرباء) أي من الزائرين دون المقيمين وهذا كما قاله العلماء من أن الصلاة النافلة في مكة أفضل لأهل الإقامة والطواف أفضل للغرباء النازلة (وقال) أي مالك رحمه الله تعالى (فيه) أي في المبسوط (أيضا لا بأس لمن قدم) بكسر الدال أي نزل (من سفر) أي من أهل المدينة وغيرهم (أو خرج إلى سَفَرٍ أَنْ يَقِفَ عَلَى قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى الله تعالى عليه وسلم فيصلّي عليه ويدعو له) أي بالسلام (ولأبي بكر وعمر فقيل له) أي لمالك (إنّ ناسا من أهل المدينة لا يقدمون) بفتح الدال أي لا يجيئون (من سفر ولا يريدونه) أي ولا يقصدون السفر غالبا وهم مع ذلك (يفعلون ذلك) أي الوقوف على القبر للزيارة (فِي الْيَوْمِ مَرَّةً أَوْ أَكْثَرَ وَرُبَّمَا وَقَفُوا) أي تأخروا (في الجمعة) بضم الجيم والميم ويسكن أي في الأسبوع (أو في الأيّام) أي ولو أكثر من الجمعة (المرّة) أي تارة (أو أكثر) أي أخرى (عِنْدَ الْقَبْرِ فَيُسَلِّمُونَ وَيَدْعُونَ سَاعَةً فَقَالَ لَمْ يَبْلُغْنِي هَذَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ) أي من المتقدمين (ببلدنا) يعني المدينة (وتركه واسع) أي جائز يعني ولو فعله فسائغ لأنه كما قال ابن مسعود ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن والقياس بوقت الوفاة على حال الحياة صحيح ولا شك أن الصحابة كانوا يكثرون السلام عليه في حال حياته ويتشرفون بتكرار ملاقاته ويتبركون بأخذ الفيض من أنوار بركاته فأي مانع من التردد على بابه والتوسل إلى جنابه على أنه قد ثبت من صلى عليه نائيا بلغه ومن صلى عليه عند قبره سمعه نعم إن كانت الكثرة توجب الملالة فلا شك أن يقال في حقها الكراهة كما يشير إليه حديث زرغبا تزدد حبا وأما عند كثرة الشوق ومزية الذوق فلا سبيل إلى المنع من تلك الحضرة ولو على سبيل المداومة كما يدل عليه حديث أبي بن كعب في تكثير الصلاة والسلام عليه والحاصل أن تكثيرها مستحب بالإجماع فايقاعها أولى في أفضل البقاع ولعل السلف الصالح كان عندهم أمور أهم من ذلك فكانت تشغلهم عن كثرة الوقوف هنالك وكذا نقول إن طلب العلم وتحصيله وتدريسه وتصنيفه إذا كان خالصا في طريقه أفضل من كثرة الطواف والزيادة بل أكمل من حج النافلة وقصد العمرة فاندفع بما قررنا وارتفع بما حررنا ما يفهم من ظاهر قوله (وَلَا يُصْلِحُ آخِرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا مَا أَصْلَحَ أَوَّلَهَا وَلَمْ يَبْلُغْنِي عَنْ أَوَّلِ هَذِهِ الأمّة وصدرها أنّهم كانوا يفعلون ذلك) وقدمنا عذرهم أنهم كانوا يشتغلون بأمور كانت أهم هنالك (ويكره) أي الوقوف للزيارة من أهل المدينة (إِلَّا لِمَنْ جَاءَ مِنْ سَفَرٍ أَوْ أَرَادَهُ) أي السفر (قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَرَأَيْتُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ إِذَا خَرَجُوا مِنْهَا أَوْ دَخَلُوهَا أَتَوُا الْقَبْرَ فَسَلَّمُوا) لا شك أن الزيارة في تينك الحالتين أكثر استحبابا وأظهر آدابا لكن لا يلزم منه أنهم لم يكونوا فيما بين ذلك من الواقفين هنالك وقد سبق عن نافع أن ابن عمر كان يسلم على القبر رأيته مائة مرة أو أكثر ولا شك أنه كان من أهل المدينة فتدبر (قال) أي ابن القاسم (وذلك رأي) أي المختار المطابق لظاهر قول مالك (قال الباجيّ) وهو بالموحدة والجيم (ففرق) أي مالك