الأمر على نفسه هنالك (فقال لو رأيتم ما رأيت) أي لو عرفتم ما عرفت من جلال مقامه وجمال مرامه (لما أنكرتم عليّ ما ترون) أي ما تبصرون من اضطراب حالي وتغير مقالي ولا يبعد أن يكون المعنى لو أبصرتم ما أبصرت من مشاهدة جماله ومطالعة جلاله في مقام مكاشفة كماله (ولقد كنت أرى محمّد بن المنكدر) أي التميمي المدني الحافظ يروي عن أبيه وعائشة وأبي هريرة وهو مرسل قاله ابن معين وأبو زرعة وعن أبي قتادة قال العلائي والظاهر أن ذلك مرسل وعن أبي أيوب وجابر وعنه شعبة ومالك والسفيانان إمام مسن له بكاء وتوفي سنة ثلاثين ومائة (وكان سيّد القرّاء) جملة معترضة (لا نكاد نسأله عن حديث أبدا) أي قط (إلّا يبكي) من لوعة الاحتراق بلذعة الافتراق (حتّى نرحمه) من كثرة بكائه وشدة عنائه (ولقد كنت أرى جعفر بن محمّد) أي الصادق كما في نسخة وهو بالنصب لقب جعفر ولقب أبيه الباقر وهو ابن زين العابدين بن علي بن الحسين بن علي رضي الله تعالى عنهم (وكان كثير الدّعابة) بضم الدال المهملة أي المزاح (والتّبسّم) يعني لكمال خلقه وجمال خلقه والجملة معترضة (فإذا ذكر عنده النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم اصفرّ) بتشديد الراء أي تغير لونه وتحول كونه (وَمَا رَأَيْتُهُ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله تعالى عليه وسلم إلّا على طهارة، ولقد اختلفت) أي ترددت (إليه زمانا) أي كثيرا (فما كنت أراه) أي أشاهده (إلّا على ثلاث خصال) أي احدى حالات ثلاث (إمّا مصلّيا وإمّا صامتا) أي ساكتا متفكرا (وإمّا يقرأ القرآن) كان الأولى أن يقول وإما قارئا للقرآن (ولا يتكلّم فيما لا يعنيه) بفتح الياء وكسر النون أي ينفعه في دينه عملا بقوله تعالى الَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ وامتثالا لقوله عليه الصلاة والسلام من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه (وكان) أي الإمام جعفر الصادق (من العلماء والعبّاد) أي ممن جمع بين العلم والعمل وترك الهوى وطول الأمل (الّذين يخشون الله) أي يخافون عقوبته ويهابون عظمته (عزّ) أي شأنه وسلطانه (وجلّ) أي برهانه سبحانه وتعالى (ولقد كان عبد الرحمن بن القاسم) أي ابن محمد بن أبي بكر الصديق التيمي ولد زمن عائشة رضي الله تعالى عنها وسمع أباه وابن المسيب وعنه شعبة ومالك وابن عيينة ثقة ورع مكثر إمام قال ابن عيينة كان أفضل زمانه وكذلك أبوه وقد توفي بالمدينة سنة ست وعشرين ومائة (يذكر النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم فينظر إلى لونه) بصيغة المفعول (كأنّه نزف) بضم النون وكسر الزاء أي سال (منه الدّم) ولم يبق منه شيء وهو كناية عن اصفرار وجهه وضعف بدنه (وقد جفّ لسانه) بفتح الجيم وتشديد الفاء أي يبس (في فمه) أي فلم يطق على تمام كلامه من كمال إكرامه واحترامه (هيبة لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم) أي إعظاما لمقامه (ولقد كنت آتي) أي أجيء (عامر بن عبد الله بن الزّبير) أي ابن العوام العابد الكبير القدر سمع أباه وجماعة وعنه مالك وطائفة قال ابن عيينة اشترى نفسه من الله تعالى ست مرات توفي بعد عشرين ومائة (فإذا ذكر عنده النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم بكى) أي كثيرا (حَتَّى لَا يَبْقَى فِي