للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرباني وإذا عرفت حقيقة القضية (فليس في هذا الحديث) أي السابق ما يقتضي (أنّ هذا الّذي أتى معصية) ووقع في أصل التلمساني أن هذا الذي أتى معصية فتكلف له بأن الذي موصول وأتى صلته وعائده محذوف لأنه منصوب أي أتاه معصية برفعها على خبر أن أو خبر محذوف (بل فعل ما رآه مصلحة وصوابا) أي صورة (بقتل من) وفي نسخة صحيحة ما (يؤذي جنسه) ولعل وجه من أن جنس المؤذي مختلط بين من يعقل وما لا يعقل و (يمنع المنفعة بما أباح الله تعالى) أي من الراحة بالنوم ونحوه، (أَلَا تَرَى أَنَّ هَذَا النَّبِيَّ كَانَ نَازِلًا تحت الشّجرة) وفي نسخة تحت شجرة ولعلها كانت بعيدة عن العمارة (فلمّا آذته النّملة) أي الواحدة بأن عضته (تحوّل برحله) أي متاعه (عنها مخافة تكرار الأذى عليه) منها (وليس فيما أوحى الله تعالى إليه) من الملامة (ما يوجب عليه معصية بل ندبه) أي دعاه (إلى احتمال الصّبر) على الأذية (وترك التّشفيّ) أي الانتقام في القضية (كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ [النحل: ١٢٦] ) وفيه أن الصبر على أذى الحيوان ليس كالصبر على مضرة أفراد الإنسان كما بينه العلماء الأعيان (إذ ظاهر فعله) من الإحراق (إِنَّمَا كَانَ لِأَجْلِ أَنَّهَا آذَتْهُ هُوَ فِي خاصّته) أي خاصة نفسه (فكان انتقاما لنفسه) أي انتصارا لروحه (وقطع مضرّة يتوقّعها) أي يخشاها أي يمكن حصولها (من بقيّة النّمل هناك) ولنا توقف في ذلك (ولم يأت) أي لم يفعل النبي (في كلّ هذا أمرا نهي عنه فيعصّى به) بضم الياء وفتح الصاد المشددة أي حتى ينسب إلى المعصية (وَلَا نَصَّ فِيمَا أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ بِذَلِكَ ولا بالتّوبة والاستغفار منه) أي تصريحا وإلا فيستفاد منه تلويحا فإنه وإن كان لم يوح إليه نهي أولا فكأنه نسب إلى خطأ في اجتهاده ثانيا وهو يستدعي في الجملة رجوعه إلى الاستغفار والتوبة كما هو طريق أرباب النبوة وأصحاب الفتوة هذا وفي حديث رواه الطبراني عن ابن عمر مرفوعا وما من دابة ولا طائر ولا غير تقتل بغير حق إلا تخاصم يوم القيامة (فَإِنْ قِيلَ فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ما من أحد إلّا ألّم بذنب) أي نزل به وتنزل بارتكابه (أو كاد) أي قارب أن يلم به (إِلَّا يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا أَوْ كَمَا قَالَ عليه الصلاة والسلام) ما هذا معناه وإنما الشك في مبناه وإنما قال هذا لأن الحديث روي بألفاظ مختلفة منها ما رواه القاضي ومنها ما من نبي إلا وقد هم أو الم ليس يحيى بن زكريا ومنها غير ذلك (فَالْجَوَابُ عَنْهُ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ ذُنُوبِ الْأَنْبِيَاءِ الَّتِي وَقَعَتْ عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ وَعَنْ سَهْوٍ وغفلة) ويدل عليه أن اللمم إنما يطلق على الصغيرة من الزلة كما قال تعالى الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ واللمم هو أن يلم الرجل بالذنب مرة ثم يتوب ولا يعود إليه كما قال ابن عباس والمشهور أنه الصغير من الذنوب وقد قال عليه الصلاة والسلام

إن تغفر اللهم فاغفر جما ... وأي عبد لك لا الما

فهذا الاستثناء الدال على العموم ينافي الحديث المذكور من استثناء يحيى إلا أن يحمل

<<  <  ج: ص:  >  >>