ذلك البعض (بِقَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى إِنِّي لَا أَنْسَى) بصيغة النفي وفي نسخة زيادة ولكن أنسى وحاصله أن النسيان المذموم المنتسب إلى تقصير الإنسان منفي عنه صلى الله تعالى عليه وسلم بخلاف ما خلقه تعالى فيه اضطرارا لحكمة الهية كما تقدم والله تعالى اعلم (وذهبت طائفة أخرى) وهم بعض الصوفية (إلى منع هذا) أي ما ذكر من السهو والنسيان (كلّه) أي عنه كما في نسخة (وقالوا: إنّ سهوه عليه الصلاة السّلام كان عمدا وقصدا ليسنّ) بصيغة الفاعل أو المفعول (وهذا قول مرغوب عنه) أي مردود في الموارد (متناقض المقاصد) لمناقضة السهو للعمد (لا يحلى) بالحاء المهملة على صيغة المفعول أي لا يظفر (منه بطائل) أي بنفع حاصل يقال هذا الامر لم يحل منه بطائل إذا لم يكن فيه فائدة وقد صرح الجوهري بأنه لا يتكلم به إلا في الجحد وقد أتى به المؤلف في صورة النفي ولعله يسوغ أيضا أو وقع سهوا في القلم والله سبحانه وتعالى اعلم (لِأَنَّهُ كَيْفَ يَكُونُ مُتَعَمِّدًا سَاهِيًا فِي حَالٍ) أي واحد وزمان متحد (وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي قَوْلِهِمْ إِنَّهُ أُمِرَ) أي أمره الله تعالى (بتعمّد صورة النّسيان) وهو بصيغة المصدر بعد باء التعدية وروي أنه يتعمد بصيغة المضارع (ليسنّ لقوله: «إنّي لأنسى أو أنسّى) وفي نسخة زيادة لأسن وهو بالوجهين على ما سبق (وقد أثبت) أي النبي عليه الصلاة والسلام ويروى فقد أثبت (أحد الوصفين) وهو النسيان من قبل نفسه أو الإنساء من قبل ربه (ونفى مناقضة) بالإضافة إلى الضمير (العمد والقصد) فلا يصح إثبات العمد والقصد له عليه الصلاة والسلام ويروى مُنَاقَضَةَ التَّعَمُّدِ وَالْقَصْدِ (وَقَالَ «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مثلكم أنسى كما تنسون» ) وفي رواية فإذا نسيت فذكروني (وقد مال إلى هذا) أي القول بأنه أمر يتعمد النسيان (عظيم من المحقّقين من أئمّتنا) يعني المالكية (وهو أبو المظفّر) ويروى أبو المطهر (الاسفراييني ولم يرتضه) بالضمير أو بهاء السكت أي ولم يختره (غيره منهم) أي من المالكية وغيرهم (ولا أرتضيه) يعني أنا (أيضا) لظهور تناقضه ووضوح تعارضه وقال النووي بعد ما حكى هذا القول عن بعض الصوفية وهذا لم يقل به أحد ممن يقتدى به إلا الاستاد أبو المظفر الإسفراييني فإنه مال إليه ورجحه وهو ضعيف متناقض (ولا حجّة لهاتين الطّائفتين) أي القائلة بأنه عليه الصلاة والسلام كان يسهو في صلاته ولا ينسى والقائلة بأن سهوه كان عمدا أو قصدا (في قوله إنّي لا أنسى) بصيغة النفي على بناء الفاعل (ولكن أنسّى) بصيغة المفعول (إذ ليس فيه نفي حكم النّسيان) بالإضافة البيانية (بالجملة) أي بالكلية (وإنّما فيه نفي لفظه) أي مبناه المشعر بعدم التفاته إليه (وكراهة لقبه) أي وصفه الذي يحمل عليه (كقوله) صلى الله تعالى عليه وسلم (بِئْسَمَا لِأَحَدِكُمْ أَنْ يَقُولَ نَسِيتُ آيَةَ كَذَا) لاعترافه بدخوله تحت وعيد ظاهر قوله سبحانه كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى (ولكن نسّي) مشددا أي أنساه الله من غير تقصير إياه لعارض أو مرض ورواه أبو عبيد بلفظ بئسما لأحدكم أن يقول نسبت آية كيت وكيت ليس هو نسي ولكنه نسي وهو أبين من الأول وقد رواه أحمد والشيخان والترمذي والنسائي عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه مرفوعا بلفظ بئسما لأحدكم أن يقول