طَهُوراً وقال تعالى وَأَسْقَيْناكُمْ ماءً فُراتاً ولما كان الطعام قوت الأبدان والأشباح والمعارف قوت الجنان والأرواح جعلت كأنها مطعومة لأنه يتقوى بها قلب الأنام كما تتقوى الأجسام بأنواع الطعام ولما كان الماء يشفي ظمأ الغليل والمعرفة تطفئ ظمأ العليل جعلت كأنها مشروبة لأنها تذهب ظمأ الجهل كما يذهب الماء ظمأ العطش وهذا بناء على أن معناه مجاز للمعارف في حق العارف وقيل هو حقيقة وأنه يأكل ويشرب من طعام الجنة وشرابها وقيل المراد منهما النشاط والقوة في الطاعة والعبادة (وقال) أي النبي عليه الصلاة والسلام (لست أنسى) كسائر الأنام (ولكن أنسى ليستنّ بي) أي ليقتدى بفعلي في الأحكام (فأخبر) عليه الصلاة والسلام (أَنَّ سِرَّهُ وَبَاطِنَهُ وَرُوحَهُ بِخِلَافِ جِسْمِهِ وَظَاهِرِهِ وأنّ الآفات الّتي تحلّ) بضم الحاء وكسرها أي تنزل (ظاهره) أي بظاهره عليه الصلاة والسلام فقط (من ضعف) أي ضعف بدن (وجوع وسهر ونوم لا يحلّ منها) أي من هذه المذكورات (شيء باطنه) أي بباطنه ولا يؤثر في خاطره (بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنَ الْبَشَرِ فِي حُكْمِ الْبَاطِنِ) مع مشاركتهم له في حكم الظاهر (لِأَنَّ غَيْرَهُ إِذَا نَامَ اسْتَغْرَقَ النَّوْمُ جِسْمَهُ وقلبه) أي غمرهما وعطاهما (وهو صلى الله تعالى عليه وسلم في نومه) وإن استغرق جميع اعضائه فهو (حاضر القلب كما هو في يقظته) حاضر مع الرب (حَتَّى قَدْ جَاءَ فِي بَعْضِ الْآثَارِ أَنَّهُ كَانَ مَحْرُوسًا مِنَ الْحَدَثِ فِي نَوْمِهِ لِكَوْنِ قلبه يقظان) بربه (كما ذكرناه) من قبله من أن عينيه كانتا تنامان ولا ينام قلبه ولعل المراد ببعض الآثار في كلام المصنف ما رواه سعيد بن منصور عن عكرمة عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ في حديث مبيته عند خالته ميمونة زوجته صلى الله تعالى عليه وسلم وصلاته بالليل معه عليه الصلاة والسلام وفيه ثم وضع رأسه حتى اغفى وسمعت بخبخة وأصله في البخاري ثم جاء بلال فاستيقظ فقام فصلى بأصحابه زاد البخاري ولم يتوضأ أي بعد انتباهه من اغفائه أي نومه قال سعيد بن جبير فقلت لابن عباس ما أحسن هذه فقال إنها ليست لك ولأصحابك أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم كان يحفظ من الحدث في نومه لكون قلبه الشريف يقظان (وكذلك) أي لا يشابهه (غيره) فإن غيره (إذا جاع ضعف لذلك) الجوع (جسمه) وانحل جسده (وخارت) بالخاء المعجمة أي فترت (قوّته) وذهبت همته (فبطلت بالكلّيّة جملته) أي جميع محاسن حالاته (وهو صلى الله تعالى عليه وسلم قد أخبر) عن نفسه (أنّه لا يعتريه ذلك) أي لا يغشاه ضعف هنالك (وأنّه بخلافهم) فإنه يلحقهم ويرهقهم (لقوله) أي في حديث البخاري في حال الوصال (إنّي لست كهيئتكم) أي من ضعف بنيتكم وفتور حالتكم (إنّي أبيت يطعمني ربّي ويسقيني) على ما تقدم (قال القاضي رحمه الله تعالى) يعني المصنف (وكذلك) أي مثل مقول بعض المحققين من أن الطوارئ والتغيرات إنما تختص بأجسام الأنبياء (أَقُولُ إِنَّهُ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ كُلِّهَا مِنْ وصب) بفتحتين أي الم وتعب (ومرض وسحر وغضب) للرب (لم يجر على باطنه ما يخلّ به) بفتح الياء وكسر الخاء المعجمة أي يضعف بباطنه مما كان يخل به ظاهره (ولا فاض) أي ولا سال ولا حدث وخرج (منه) أي