الروح، فإنه جسم لطيف باطني، أما تزكية روحه صلى الله تعالى عليه وسلم فلكونه أشرف الأرواح المطهرة لا من أشرفها كما قال المحشي فإنه كما قال صلى الله تعالى عليه وسلم:
«أول ما خلق الله روحي وسائر الأرواح، إنما خلق ببركة روحه ونور وجوده» كما روي لولاك لولاك لما خلقت الأفلاك فإنه صحيح معنى لو ضعف مبنى، وأما تزكية جسده فلشق جبريل عليه السلام صدره واستخراج حظ الشيطان منه وغسله بماء زمزم لا بماء الجنة كما قاله المحشي إلا أنه إن صح رواية يجمع بينهما دراية، ويمكن أن يكون الروح والجسم كنايتين عن الخلق والخلق، فإنهما مزكيان من جانب الحق وأغرب المحشي حيث قال في رأفة ورحما اشترط من أجاز العطف أن لا بد من زيادة معنى في المعطوف. وقال هنا فيه دلالة على جواز العطف وان تغاير اللفظان والمعنى واحد من غير زيادة. وأبعد الحلبي حيث تبعه في الموضعين، وقال هنا: وهذا لا زائد ولا مساو، ولعله فعل ذلك للسجع انتهى. وقد بينت لك الفرق بين الرأفة والرحمة، وأما الفضل بين الروح والجسد فظاهر للعامة فضلا عن الفضلاء الخاصة (وحاشاه) أي نزهه الله وبرأه (عيبا ووصما) أي عارا على ما صرح به في القاموس فهو تخصيص بعد تعميم خلافا لمن زعم أنهما متساويان، وتبعه الحلبي والدلجي ثم نصبهما بنزع الخافض أي من غيب ووصم (وآتاه) بالمد أي اعطاه الله تعالى (حكمة) وهي في الأصل ما يمنع من الجهالة فإنها مأخوذة من الحكمة بفتحتين وهي اللجام المانع من النفور أي علما بالشرائع المشتملة على الحكم المبنية على الاتقان والأحكام (وحكما) بضم فسكون أي قضاء بالأحكام. قال المحشي وتبعه الدلجي فيه تجنيس التحريف وهو تحريف من أحدهما والصواب التطريف وهو أن يختلف المتجانسان في إعداد الحروف وتكون الزيادة في الآخر على ما في شرح مختصر التلخيص ثم هما منصوبان على المفعولية الثانية. وأغرب التلمساني بقوله: هما مترادفان وجمعهما للتأكيد (وفتح به) أي فتح الله تعالى بسبب نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم (أعينا عميا) عن رؤية الحق وهو بضم فسكون جمع عمياء بفتح فسكون ممدودا.
وأبعد التلمساني حيث قال: عميا صفة للأعين وهو جمع أعمى. وقال المحشي: كان الأولى أن يأتي بجمع كثرة لكن قد يأتي جمع القلة بمعنى الكثرة كقوله تعالى: جَنَّاتِ عَدْنٍ بمعنى جنان، وقد تأتي الكثرة بمعنى القلة كقوله تعالى: ثَلاثَةَ قُرُوءٍ أي اقراء، وتبعه الحلبي وقالا الأولى أن يأتي به جمع كثرة لكنه تبع الحديث الصحيح والمراد به هنا وبالحديث الكثرة انتهى.
وقال الحافظ العسقلاني الكثرة العددية من الأمور النسبية فيحتمل أن يكون العدول عن جمع الكثرة في الحديث إلى جمع القلة للإشارة إلى أن الكفار أكثر من المسلمين (وقلوبا) جمع قلب وسمي به لتقلبه في أيدي مقلب القلوب عز وجل كما قال الشاعر:
وما سمي الإنسان إلا لنسيه ... ولا القلب إلا انه يتقلب
(غلفا) بضم فسكون جمع أغلف كأنه جعل في غلاف فهو لا يعي، وَقالُوا قُلُوبُنا