(به الأتقياء، فكيف سيّد الأنبياء) أقول هذا ليس بحسد أصلا لأنه عليه الصلاة والسلام هو الذي اختارها له أولا ثم لما قدره الله وقضاه وقلب قلب نبيه بما كتب عليه وأمضاه حين رآها وأعجبته أدار عنها وجهه وقال سبحان مقلب القلوب تعجبا مما وقع له في صورة ما يعد صدوره عن غيره من الذنوب وخطر بباله أن زيدا لو طلقها لأدخلها في حباله ومع هذا جاهد نفسه ولم يظهر باطن حاله وأمره بإمساك امرأته في استقباله رعاية لحسن مآله ولكنه سبحانه وتعالى كما أنه قلب قلب حبيبه إلى محبتها قلب قلب صاحبه إلى كراهتها ليقضي الله أمرا كان مفعولا (قال القشيري) وهو الإمام المفسر صاحب الرسالة وغيرها (وهذا) أي القول بوقوعها من قلبه ومحبة طلاق زيد لها (إقدام عظيم) أي جراءة كبيرة (مِنْ قَائِلِهِ وَقِلَّةُ مَعْرِفَةٍ بِحَقِّ النَّبِيِّ صَلَّى الله تعالى عليه وسلم وبفضله فكيف يقال رآها فأعجبته وهي بنت عمّته) أي أميمة بنت عبد المطلب (ولم يزل) أي دائما (يراها منذ ولدت) أي من ابتداء ما ولدت إلى انتهاء ما كبرت (وَلَا كَانَ النِّسَاءُ يَحْتَجِبْنَ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ تعالى عليه وسلم) أي قبل زواجها فقد روي أن آية الحجاب نزلت حين تزوج زينب وأولم فلما طعموا جلس ثلاثة منهم متحدثين فخرج عليه الصلاة والسلام من منزلة ثم رجع ليدخل وهم جلوس وكان عليه الصلاة والسلام شديد الحياء والحديث مروي في الصحيحين (وهو زوّجها لزيد) وفيه بحث إذ لا مانع من أنه كان يراها وما تعجبه ثم رآها فأعجبته ليقضي الله أمرا كان مفعولا وهذا لا ينافي قوله (وَإِنَّمَا جَعَلَ اللَّهُ طَلَاقَ زَيْدٍ لَهَا وَتَزْوِيجَ النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم إيّاها لإزالة حرمة التّبني) بفوقية فموحدة مفتوحة فنون مكسورة مشددة (وإبطال سببه) بموحدتين وفي نسخة سنته بنون ففوقية أي طريقته حسب عادته (كَمَا قَالَ: مَا كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ [الأحزاب: ٤٠] ) أي حقيقة (وقال) أي وقع ما وقع (لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ) أي شك وشبهة وضيق وتهمة (فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ [الأحزاب: ٣٧] ) جمع دعى وهو المدعو بالابن وفي معناه المدعو بالأب والأخ والجد والأم والأخت والبنت فإنه لا يحرم شيئا، (وَنَحْوُهُ لِابْنِ فُورَكٍ، وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيُّ فَإِنْ قِيلَ فَمَا الْفَائِدَةُ فِي أَمْرِ النَّبِيِّ صلى الله تعالى عليه وسلم لزيد بإمساكها فهو) أي فجوابه وفي نسخة فهي أي فائدة أمره بالإمساك (أنّ الله أعلم نبيّه أنّها زوجته) أي في آخر الأمر (فنهاه النبيّ صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ طَلَاقِهَا إِذْ لَمْ تَكُنْ بينهما) أي بين زيد وزوجته (ألفة) الظاهر أن إذ تعليلية وحينئذ لم يتبين وجهه وكذا إذا كانت ظرفية فالأولى أن يحمل نهيه عن طلاقها لكونه عليه الصلاة والسلام شارعا وقد قال أبغض الحلال إلى الله الطلاق فلا يناسبه أن يأمره بالفراق ولا يبعد أن يقدر أمسك عليك زوجك بمعروف أو سرحها بمعروف كما قال الله تعالى فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ولعله كان يرجو أن الله تعالى يصلح بينهما وأن يقلب قلبه عليه الصلاة والسلام عن محبتها وأرادة تزوجها فلا ينافي ما قررنا قوله