واتهمه بعضهم وهو صاحب الكلبي والظاهر أن المراد هنا الأول والله أعلم (في آي) أي حال كون هذه الآية مندرجة في ضمن آيات كثيرة (تضمّنت فضله) أي فضائله صلى الله تعالى عليه وسلم (من غير وجه واحد) أي بل من وجوه متعددة (قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ) أي بتبليغ الرسالة وتحمل الدعوة إلى الأمة (وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ [الأحزاب: ٧] الآية) أي وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وهو تخصيص بعد تعميم تلويحا ببيان فضلهم وزيادة شرفهم فإنهم أولو العزم من الرسل ومشاهير أرباب الشرائع وقدم نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم تعظيما وتكريما وإيماء إلى تقديم نبوته في عالم الأرواح المشار إليه بقوله كنت نبيا وآدم بين الروح والجسد وأخذنا منهم ميثاقا غليظا أي عظيما شأنه ومؤكدا باليمين برهانه وكرر لبيان وصفه تعظيما لمقامه (وَقَالَ تَعَالَى: إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ- إلى قوله- وَكِيلًا [النساء: ١٦٣] ) وفي نسخة صحيحة شهيدا وهو الصواب وفيه تلويح إلى فضله حيث قدمه على رسله إذ كان يمكن أن يقال (كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده أوحينا إليك) على نحوه والحاصل أنه قدم من جهة الفضل والشأن لا من جهة التقدم في الزمان والواو وإن لم تقتض الترتيب لكن العرب توتر تقديم المتقدم في الذكر على المتأخر في اللفظ وإليه أشار رسول الله صلى الله عليه وسلّم حيث قال عند الصفا ابدأ بما بدأ الله به وحكى الحافظ في كتاب البيان والتبيين أن عبد بني الحسحاس لما أنشد عمر رضي الله تعالى عنه قوله:
فقال له عمر لو قدمت الإسلام على الشيب لأجزتك (رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عنه تعالى عنه) وهو بعض خبر هنا ذكره الرشاطي كله في اقتباس الأنوار (أنّه قال) أي عمر (فِي كَلَامٍ بَكَى بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ تعالى عليه وسلم) بنصب النبي على أنه مفعول والمعنى رثاه بعد موته من بكيته مخففا ومشددا أي بكيت عليه وذلك حين أفاق من غشيته وتحقق عنده موت النبي صلى الله عليه وسلّم بخطبة أبي بكر وموعظته قائلا بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ كان لك جذع تخطب الناس عليه فلما كثر الناس اتخذت منبرا لتسمعهم عليه فحن الجذع لفراقك حتى جعلت يدك عليه فسكن فامتك أولى بالحنين عليك حين فارقتهم (فقال) أي عمر (بأبي أنت وأمّي) متعلق بمقدر ولحذفه أبدل من ضميره المتصل ضمير منفصل وحذفت الجملة لظهور المعنى حتى قيل الباء للتعدية وقد يذكر الفعل كقول الصديق فديناك بآبائنا وأمهاتنا أي أفديك بأبي وَأُمِّي (يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ بَلَغَ مِنْ فَضِيلَتِكَ عِنْدَ اللَّهِ أَنْ بَعَثَكَ آخِرَ الْأَنْبِيَاءِ) أي في مقام الوجود. (وذكرك في أوّلهم) أي في أول بعضهم عند ذكرهم إجمالا أي في معرض الكرم والجود (فَقَالَ: وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ [الأحزاب: ٧] الآية) أي على ما سبق. (بأبي أنت وأمّي) أي أفديك بهما مرة بعد أخرى لأنك بذلك أولى وأحرى