للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا تعرضن على الرواة قصيدة ... ما لم تبالغ بعد في تهذيبها

فإذا عرضت الشعر غير مهذب ... عدوه مثل وساوس تهذى بها

هذا وأبى الله إلا أن يصح كتابه كما أشاره إليه بقوله وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً وأما هذا الكتاب فلكونه من عند الله ما وجدوا فيه اختلافا يسيرا وروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه أن كل أحد يقبل قوله ويرد إلا النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فإنه معصوم على الوجه الأتم (إِجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى تَحْرِيمِ رِوَايَةِ مَا هُجِيَ به النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم) من نظمة ونثره (وكتابه) أي وكتابته كما في نسخة (وقراءته) أي ولو من غير روايته (وتركه متى وجد دون محو) ونحوه ولو من كتاب غيره وحصول ضرره فإنه ينفعه من جهة دينه (ورحم الله أسلافنا المتّقين المتحرّزين) أي المحترسين (لدينهم) المحتاطين في أمر يقينهم وتصحف المتحرزين بالمتجردين في أصل الدلجي (فقد أسقطوا) ولذلك تركوا (من أحاديث المغازي والسّير) كثيرا من الخبر والأثر (ما كان هذا سبيله) من هجوه في شعر أو غيره (وتركوا روايته) ولو جوز حكايته (إلّا أشياء ذكروها يسيرة) أي قليلة (وغير مستبشعة) بفتح الشين أي غير مكروهة وفي نسخة وغير مستشنعة أي غير مستقبحة (على نحو الوجوه الأول) بضم الهمزة وتخفيف الواو جمع الأولى أي الوجوه السابقة من الوجوب والندب والتحريم والكراهة (ليروا) أي الناس ويعتبروا ويجوز أن يكون بضم الياء والراء أي ليظهروا (نقمة الله) أي عقوبته (من قائلها وأخذه المفتري عليه) أي بطشته (بذنبه) ولو من ناقلها وفي أصل الدلجي وأخذه بالضمير أي ليروا أخذه سبحانه وتعالى (وهذا أبو عبيد القاسم بن سلّام) بتشديد اللام (قد تحرّى) أي اجتهد واحتاط (فيما اضطرّ) أي الجىء واحتيج (إلى الاستشهاد به) من الدلائل في اثبات بعض المسائل توضيحا لوسائل في معرفة كل طالب وسائل (من أهاجي أشعار العرب) على شعار أرباب الأدب (في كتبه) متعلق بتحري (فكنّى عن اسم المهجوّ بوزن اسمه) ولم يصرح به تفاديا عن ذكر ذمه (استبراء لدينه) أي استباء لأمر يقينه (وتحفّظا من المشاركة في ذمّ أحد) من المسلمين (بروايته أو نشره) بحكايته (فكيف بما يتطرّق) أي يتوصل به الحاكي له (إلى عرض سيّد البشر) أي بني آدم بل سيد العالم (صلى الله تعالى عليه وسلم) قال التلمساني اعلم أن هذا التحري إنما يظهر في الهاجي المسلم لمثله وأما إن كانا كافرين أو المهجور كافرا فذكر مساويه أعظم نكاية فيستحب رواية وحكاية ولو كان الهاجي كافرا أو مسلما والمهجو مسلما فالأولى أن لا يذكره أو يغيره كما فعل ابن هشام في سيرته مما يدل على حسن سريرته ومن هذا قول أبي الأسود الدؤلي:

جزى ربه عني عدي بن حاتم ... جزاء الكلاب العاويات وقد فعل

أبدله بعض الأئمة بقوله جزاء الرجال الصالحين وقد فعل وذلك لأن عدي بن حاتم الطائي من أكابر الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين.

<<  <  ج: ص:  >  >>