للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وإعظام وقد رأيت) ويروى ورأيت (بعض العلماء لم يتحفّظ من هذا) الذي ذكرناه ويروى في هذا (فقبّح منه) ما صدر عنه (ولم استصوب عبارته فيه) ولذا اكتفيت بذكر إشارته (ووجدت) وروي رأيت (بعض الجائرين) بالجيم من الجور أي المائلين عن الاقتصاد وفي رواية بالحاء المهملة من الحيرة وهو التردد أي من المتحرين في سبيل الرشاد غير متمكنين على طريق السداد (قوّله) بتشديد الواو أي نسبه إلى الخطأ في قوله الخاص به (لِأَجْلِ تَرْكِ تَحَفُّظِهِ فِي الْعِبَارَةِ مَا لَمْ يقله) والمعنى زعم لأجل ترك تحفظه أنه قال ما لم يقله (وشنّع) ذلك البعض (عليه) أي على من لم يتحفظ (بما يأباه) كلامه (ويكفّر قائله وإذا كان مثل هذا) الاستعمال بالتحفظ في الأقوال (بَيْنَ النَّاسِ مُسْتَعْمَلًا فِي آدَابِهِمْ وَحُسْنِ مُعَاشَرَتِهِمْ وخطابهم فاستعماله في حقّه عليه الصلاة والسلام أوجب) أي الزم (والتزامه آكد) بمد الهمزة أي أوثق وأتم قال الدلجي قوله أوجب أي وجوب فرض لا وجوب تأكيد وهما عند امامنا الشافعي مترادفان سواء ثبت بدليل قطعي أو ظني وفرق أبو حنيفة بأن ما ثبت بقطعي ففرض وما ثبت بظنه فواجب لأن التفاوت بين الكتاب وخبر الآحاد يوجب التفاوت بين مدلوليهما لكنهم خالفوا قاعدتهم من إطلاقهم الفرض على ما ثبت بظني كقولهم الوتر فرض والزكاة واجبة انتهى ولا يخفى أن الفرق بينهما إنما هو بحسب الاعتقاد دون العمل فإن كلاهما فرض بهذا الاعتبار لكن ثواب الفرض أكثر وعقاب ترك الواجب أقل ومما يفيد الفرق أن منكر الفرض كافر بخلاف منكر الواجب وهذا هو بحسب أصل الاصطلاح الشرعي وقد يستعار أحد اللفظين مقام الآخر في الاستعمال اللغوي ومن لم يميز بين الدليل القطعي والظني فلا كلام معه لا من جهة النقل ولا من جهة العقل على أن الشافعية أضطروا إلى الفرق بينهما في أحكام الحج حجة عليهم ثم هذا المبحث لم يكن في محله ولكنه لما أبدي هذا المقال أوجب لنا حل عقال هذا الإشكال على أن قوله وجوب فرض لا وجوب تأكيد لا طائل تحته (فجودة العبارة تقبّح الشّيء) الواحد (أو تحسّنه) كما قدمناه في حكاية المعبرين (وتحريرها وتهذيبها يعظّم الأمر أو يهوّنه ولهذا قال صلى الله تعالى عليه وسلم إنّ من البيان لسحرا) رواه مالك وأحمد والبخاري وأبو داود والترمذي عن ابن عمر ثم البيان فصاحة اللسان والسحر صرف الشيء عن وجهه والحديث يحتمل المدح والذم أما على الأول فمعناه أنه يستميل النفوس ويأخذ بها لحسنه عندها من بلاغته وفصاحته وحسن تأليفه في عبارته وإشارته وتزيين مبانيه وتحسين معانيه بحيث يرتضي به الساخط ويستذل به الصعب كما يفعل السحر من الأمر العجب ولذلك قالوا فيه السحر الحلال ويؤيده أن في نفس الحديث زيادة رواية وأن من الشعر لحكمة وأما على الثاني فمعناه في المتشدق الذي يمدح من لا يمدح في الفعل ويطنب فيما لا يحل من القول ويحسن القبيح من ذلك ويقبح الحسن هنالك وأن فعل ذلك حرام كالسحر ويكتسب صاحبه من الاثم في قوله ما يكتسبه الساحر بعلمه وقد أورد مالك رحمه الله تعالى الحديث في الموطأ في باب ما يكره من الكلام ولعله اختار القول الثاني في هذا

<<  <  ج: ص:  >  >>