المشددة أي مضمونها (إبطال الشّرائع) بهذه الذرائع (وتعطيل الأوامر والنّواهي) بهذه الهذيانات الداعية إلى الملاهي (وتكذيب الرّسل) تلويحا (والارتياب) أي الإيقاع في الشك (فيما أتوا به) أي الأنبياء تصريحا (وَكَذَلِكَ مَنْ أَضَافَ إِلَى نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ تعالى عليه وسلم تعمّد الكذب فيما بلّغه) بتشديد اللام أي أوصله عن ربه (وأخبر به) أحدا من أمته (أو شكّ في صدقه) تهمة منه في حقه (أو سبّه) أي شتمه أو تنقصه (أو قال إنّه لم يبلّغ) جميع ما أنزل عليه وقد قال تعالى يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وقال فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وأراد نفيه عنه (أو استخفّ) أي احتقر واستهزأ (بِهِ أَوْ بِأَحَدٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ أَوْ أَزْرَى) أي عاب (عليهم) أي جميعهم أو بعضهم (أَوْ آذَاهُمْ أَوْ قَتَلَ نَبِيًّا أَوْ حَارَبَهُ فهو كافر بإجماع) من علماء المسلمين (وكذلك نكفّر من ذهب مذهب بعض القدماء) من الحكماء (أَنَّ فِي كُلِّ جِنْسٍ مِنَ الْحَيَوَانِ نَذِيرًا) أي رسولا منذرا (ونبيّا) غير مأمور بالتبليغ (من القردة؛ والخنازير والدّوابّ والدود وغير ذلك) كالحيوانات المائية والطيور الهوائية؛ (وَيَحْتَجُّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ)[فاطر: ٢٤] أي مضى ويجعل الأمة أعم لقوله تعالى وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ (إذ ذلك) الذي زعمه غير ثابت بالنقل الصريح ويدل على بطلانه العقل الصحيح لأنه (يُؤَدِّي إِلَى أَنْ يُوصَفَ أَنْبِيَاءُ هَذِهِ الْأَجْنَاسِ بصفاتهم المذمومة وفيه) أي وفي كل جنس من صور بشيعة وسير شنيعة (من الإزراء) أي العيب والمنقصة (على أهل هذا المنصب) بكسر الصاد أي منصب النبوة (المنيف) بضم الميم أي الرفيع الشريف (ما فيه) مما لا يليق بعلو شأنهم وسطوع برهانهم (مع إجماع المسلمين على خلافه و) على (تكذيب قائليه) ولعل سند الإجماع قوله تعالى وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا أي لا نساء ولا جنا وإنما الخلاف في أنه هل كان في الجن رسول من جنسهم أم لا فالجمهور على أن الرسل من الانس خاصة وتعلق قوم بظاهر قوله تعالى امَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ
وأجيب بأن الآية من قبيل قوله تعالى يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ وهما يخرجان من الملح دون العذب وقيل المراد رسل من الجن أرسلهم الرسل من البشر لينذروهم ويدعوهم إلى الإيمان فيصدق عليهم أنه أتى الجن رسل لكن لا من الله بل من الأنبياء ويؤيده قوله تعالى وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ
الآيتين (وَكَذَلِكَ نُكَفِّرُ مَنِ اعْتَرَفَ مِنَ الْأُصُولِ الصَّحِيحَةِ بما تقدّم) من الألوهية والوحدانية والنبوة مطلقا (ونبوّة نبيّنا عليه الصلاة والسلام) أي ورسالته إلى عامة الأنام (ولكن قال كان أسود) وينبغي أن يفيد هذا بما إذا أراد احتقاره به وأما إذا قال عن جهل بشمائله فتكفيره ليس في محله لأن العلم بكونه عليه الصلاة والسلام أبيض ليس قطيعا ولا أنه مما علم من الدين بالضرورة والسواد لا ينافي النبوة فقد قال جمع بنبوة لقمان عليه السلام (أو مات قبل أن يلتحي) فإنه كذب في نفس الأمر لكن إنما يكفر إذا كان استخفافا أو استهزاء