(من سبقت له من الله الحسنى) أي المنزلة الأسنى وهي الجنة العليا أو المثوبة الحسنى ويدل عليه قوله تعالى (ليؤمنوا بالله ورسوله)(ويعزّروه) أي يمنعوه ويحرسوه من أعدائه (أي يجلّونه) وهو من الإجلال أي يعظمونه وإثبات النون بناء على أصله قبل دخول لام الأمر على مفسره (وقيل ينصرونه) أي على عدوه في الجهاد أو في الاجتهاد في نصرة دينه (وَقِيلَ يُبَالِغُونَ فِي تَعْظِيمِهِ وَيُوَقِّرُوهُ أَيْ يُعَظِّمُونَهُ) الأظهر أن يقال يهابونه ويكرمونه ويخدمونه ويعدونه من أهل الوقار (وقرأه بعضهم) أي من قراء الشواذ وقد نسب إلى ابن عباس رضي الله تعالى عنهما (ويعزّزوه بزاءين) بالياء بعد الألف وبالهمز وكلاهما صحيح ذكره التلمساني والثاني غير صحيح لأن الفرق المعروف بين الراء والزاء بالياء في الثاني وبتركه في الأول فتأمل ولذا لم يقل بالزاء المعجمة لاستغنائه بالصورة عن القيد ولا راء مهملة لما تقدم والله تعالى أعلم (من العزّ) أي العزة والتفعيل للتكثير والمبالغة والمعنى يعززوه غاية العزة وأما جمهور القراء فقراءتهم بضم أوله وكسر الزاء مشددة وبعدها راء وقرأ الجحدري بفتح التاء وضم الزاء وكسرها وهو شاذ (والأكثر) أي القول الأكثر من المفسرين (والأظهر) أي من العلماء المعتبرين (أنّ هذا) أي قوله تعالى وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ أنزل (في حقّ محمّد صلى الله تعالى عليه وسلم) لأنه أقرب ذكرا فيرجع ضميراهما إليه ومما يدل عليه قوله تعالى فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ (ثمّ قال: وَتُسَبِّحُوهُ [الفتح: ٨] ) أي ينزهوه أو يصلوا له (بُكْرَةً وَأَصِيلًا) أي نهارا وليلا (فهذا) أي ضمير يسبحوه (راجع إلى الله تعالى) ويؤيده أن أرباب الوقوف القرآنية جعلوا الوقف المطلق فوق قوله سبحانه وتعالى وَتُوَقِّرُوهُ إيماء إلى قطع ما قبله عما بعده وقيل الضمائر الثلاثة لله وأريد بتعزيره تعالى تقوية دينه وتأييد نبيه ثم اعلم أن ابن كثير وأبا عمرو قرآ بالغيبة في الأفعال الأربعة والباقون بالخطاب له ولأمته أو لهم تنزيلا لخطابه منزلة خطابهم فعلى الأول تقدير الآية أنا إرسلناك ليؤمنوا بالله وبك يا محمد وعلى الثاني تقديره ليؤمنن بك من آمن (وقال ابن عطاء جمع) بالبناء للمجهول لأن فاعله معلوم والمعنى اجتمع (للنّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم في هذه السّورة) أي سورة الفتح (نعم مختلفة) أي متعددة متكثرة أو مختلفة من حيث ذواتها وإن كانت من حيث صفاتها مؤتلفة (من الفتح المبين) من بيانيه للنعم المتقدمة (وهو) أي الفتح المبين (من أعلام الإجابة) بفتح همزة أعلام على أنه جمع علم بفتح اللام أي من علامات قبول إجابة الله، (لدعوته) صلى الله تعالى عليه وسلم إذ قد سأله النصر في مواطن كثيرة وفي الحديث من فتح له باب الدعاء فتح له باب الإجابة (والمغفرة) أي ومن المغفرة (وهي) أي المغفرة (من أعلام المحبّة) لقوله تعالى ردا لأهل الكتاب في محكم الخطاب وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ والمعنى أنكم لو كنتم احبائه لما عذبكم بذنوبكم كما يعذب أعداءه بل غفر لكم وأكثر عليكم عطاءه ونعماءه ومن المعلوم أن المحبة من الله تعالى إما أرادة إنعام أو نفس