بعث إلى قومه خاصة (وَقَالَ تَعَالَى: وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ) أي بلغة قبيلته الذين هو منهم وبعث فيهم (لِيُبَيِّنَ لَهُمْ [إبراهيم: ٤] ) ما أمروا به وما نهوا عنه فيفهموا عنه بيسر وسهولة أمر (فخصّهم بقومهم) أي لغة ورسالة ودعوة ونذارة وبشارة (وبعث محمّدا صلى الله تعالى عليه وسلم إلى الخلق) أي المخلوقين (كافة) أي جميعا من الكف بمعنى الإحاطة والجمع أو من الكف بمعنى المنع أي لكفهم بدعوته عن أي يخرج منها أحد منهم لإحاطتها بهم (كما قال صلى الله تعالى عليه وسلم: «بعثت إلى الأحمر والأسود» ) أي العرب والعجم كما تقدم وفي صحيح مسلم بعثت إلى الخلق وفي حديث بعثت إلى الناس كافة فإن لم يستجيبوا لي فإلى العرب فإن لم يستجيبوا لي فإلى قريش فإن لم يستجيبوا لي فإلى بني هاشم فإن لم يستجيبوا لي فإلى وحدي ذكره السيوطي في جامعه الصغير عن ابن سعد عن خالد بن معدان مرسلا وفيه كما في الآية السابقة إيماء إلى حكمة أنه بعث بلسان العرب وأن العجم أمروا بتتبع لغتهم مع كمال الأدب ولذا قال صلى الله تعالى عليه وسلم احبوا العرب لثلاث لأني عربي والقرآن عربي وكلام أهل الجنة عربي رواه الطبراني والبيهقي والحاكم وغيرهم عن ابن عباس وفيه إشعار بأنه صلى الله تعالى عليه وسلم لما أرسل إلى العرب والعجم وهم مختلفوا الألسنة من الفارسية والتركية والهندية وغيرها مما يتعذر في العادة أن يكون واحد يعرف جميع اللغات المختلفة في أصناف المخلوقات اختار الله له سبحانه أفضل أنواعه وأمر الغير بتعلمه واتباعه مع أنه أيسر اللغات وأسهلها وأضبطها وأجمعها وأشملها وأيضا كان من أنفة العرب وغلاظتهم أنه لو نزل القرآن بلسان العجم أو لم يتكلم الرسول إلا بلغة غير العرب معهم لما آمنوا وتعللوا بما حكى الله تعالى عنهم في قوله تعالى وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا لقالوا لولا فصلت آياته ءأعجمي وعربي وقال في موضع آخر ولو نزلناه على بعض الأعجمين فقرأه عليهم ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ وفي الآيتين الشريفتين تشريف لطائفة العجم ولذا قال صلى الله تعالى عليه وسلم لو كان الدين أو العلم في الثريا لناله رجال من فارس (وقال تعالى: النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ) أي أحق بهم في جميع أمورهم أو مقيد بأمر دينهم (مِنْ أَنْفُسِهِمْ) أي من أرواحهم فضلا عن آبائهم وأبنائهم (وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ [الأحزاب: ٦] ) جمع أم أصلها أمهة وهي لغة قيل مختصة بالآدميات والأمات بالحيوانات وقيل الهاء زائدة (قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ أي ما أنفذه) بالنون والفاء والذال المعجمة أي أظهره وأمضاه (فيهم من أمر فهو ماض عليهم) أي ناقض وماض (كما يمضي حكم السّيد على عبده) إذ لا يأمرهم ولا يرضى منهم إلا بما فيه صلاحهم فقوله كما يمضي كالنظير لأنه دون مرتبته في التأثير (وَقِيلَ اتِّبَاعُ أَمْرِهِ أَوْلَى مِنَ اتِّبَاعِ رَأْيِ النّفس) وهذا قول صحيح وعلى طبق ما تقدم صريح فتعبيره بقيل ليس لكونه كلاما غير مرضي بل لجلالة قائلة أو جهالة حاله وقد روي أنه صلى الله تعالى عليه وسلم ندب إلى غزوة تبوك فقال أناس نستأذن آباءنا وأمهاتنا فنزلت ويدل على