تأمل وتفكر وتروية وكان الأولى أن يقال وعدم تكلف لقوله سبحانه وتعالى حكاية عنه وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ ولعله أراد بالقلة العدم والله أعلم ومنه قول أبي أوفى كان النبي صلى الله تعالى عليه وسلم يقل اللغو أي لا يلغو رأسا ومنه أيضا قوله تعالى فَقَلِيلًا ما يُؤْمِنُونَ أي لا يؤمنون أصلا (أوتي جوامع الكلم) جملة مستأنفة مبينة ومؤكدة لما قبلها أي أعطي الكلمات الجامعة للمعاني الكثيرة في المباني اليسيرة وقد جمعت أربعين حديثا يشتمل كل حديث على كلمتين وهو أقل ما يتركب منه الكلام الإسنادي كقوله الإيمان يمان والعدة دين والسماح رباح وأمثالها مما أدرجته في شرح الشمائل للترمذي والكلم بفتح كاف وكسر لام اسم جمع للكلمة ومنه قوله تعالى إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وقيل جمع لها وهو ضعيف (وخصّ ببدائع الحكم) بكسر ففتح جمع حكمة أي الحكمة البديعة المتضمنة للمعاني المنيعة (وعلم ألسنة العرب) أي وخص بمعرفة لغات طوائف العرب من قومه وغيرهم لأنه بعث إلى جميعهم فعلمه الله الألسنة ليخاطب كل قوم بما يفهمون لقوله تَعَالَى وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ وفي نسخة وعلم بصيغة الماضي المعلوم وفي أخرى بصيغة المجهول من التعليم عطفا على أوتي وقيل كان يعلم جميع الألسنة إلا أنه لم يكن مأمورا بإظهارها أو أراد أن يكون التكلم بالعربية هو ألسنة لأنه أفضل أنواع اللغة لأن كلام الله عربي ولسان أهل الجنة في الجنة عربي وأصل النبي عربي قيل ومن أسلم فهو عربي ولأنه أيسر اللغات وأضبط للكليات كما يشير إليه قوله سبحانه وتعالى فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ (يخاطب) وفي نسخة فكان يخاطب (كلّ أمّة) أي طائفة (منها) أي من طوائف العرب (بلسانها ويحاورها) بالحاء المهملة أي ويجاوبها (بلغتها) وفي نسخة بلغتها (ويباريها) بالراء والياء أي يعارضها ويروى بدله ويباينها (في منزع بلاغتها) أي مأخذها ومرجع لغتها (حتّى) هي مستأنفة ههنا على ما ذكره الدلجي والأظهر أنها للغاية أي إلى حد (كان كثير من أصحابه) أي من أتباعه وأحبابه (يسألونه في غير موطن) أي في مواطن كثيرة (عن شرح كلامه) أي بيان مرامه (وتفسير قوله) عطف تفسير والأول مختص بالجمل والمركبات والثاني بالمفردات أو الأعم والله أعلم وقد صرح التلمساني بأن الصحابة كانوا يسألون عن كثير من مفردات اللغة نحو حتى تزهى وتزهو وحتى تشقح وسؤالهم عن لفظ الطاعون ونحو ذلك انتهى ثم هذا الذي ذكرناه أمر ظاهر وشأن باهر. (من تأمّل حديثه وسيره) أي أحاديثه في كتب المحدثين والأئمة المجتهدين وأقواله في كتب ارباب السير والمؤرخين وفي نسخة وسبره بالموحدة على أنه فعل ماض أي نظر في صناعة أساليبه وصياغة تراكيبه (علم ذلك) أي تفصيله (وتحقّقه) أي وثبت عنده وزال الريب عنه (وليس كلامه) أي لم يكن تكلمه (مع قريش) أي من أهل مكة (والأنصار) أي من أهل المدينة (وأهل الحجاز ونجد) أي وحواليهما (ككلامه مع ذي المشعار) بكسر ميم وسكون معجمة فمهملة أو معجمة بعدها ألف وراء وهو أبو ثور مالك بن نمط (الهمدانيّ) بميم ساكنة فمهملة نسبة إلى همدان قبيلة من اليمن قدم عليه الصلاة والسلام مرجعه من تبوك