للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي رواية سائر الأنبياء أي باقي الأنبياء الماضية وأما وجود الأخلاق الحميدة في غيرهم فقيل إنها جبلية وطبيعية مثل الأنبياء وهذا بعيد عن مشرب الأصفياء ولو مال إليه الطبراني من العلماء وقيل كتسبة لا جبلية ولا طبيعية وهذا قول ظاهر البطلان لمشاهدة تفاوت الأحوال في أخلاق الأطفال والصبيان كما يدل عليه حكاية حاتم الطائي وأخيه ورواية أمهما في ابتداء ارضاعهما وقيل منها ما هي جبلية طبع عليها في أول الخلقة وما هي كسبيه تحصل بالرياضة وتصير لصاحبها ملكة ويؤيده حديث أشبح عبد القيس حيث قال له صلى الله تعالى عليه وسلم إن فيك لخصلتين يحبهما الله ورسوله الحلم والإناءة فقال يا رسول الله أشيء من قبل نفسي أو جبلني الله عليه فقال جبلك الله عليه فقال الحمد الله الذي جبلني على خلقين يرضاهما الله ورسوله والتحقيق أن حال الإنسان مركب من الأخلاق المحمودة الملكية ومن الأخلاق المذمومة الشيطانية فإن مال إلى الأولى فهو خير من الملائكة المقربين وإن مال إلى الثانية فهو شر من الشياطين وتحقيق هذا المرام لا يسعه الكلام في هذا المقام وقد صنف في هذا المبحث كتب الأخلاق منها الناصرية ومنها الدوانية ومنها الكشافية وقد حقق الإمام الغزالي في الأحياء الأدلة على وجه الاستقصاء؛ (ومن طالع سيرهم) أي سلوك الأنبياء في سيرهم (منذ صباهم إلى مبعثهم) أي من مبدئهم إلى منتهاهم (حقّق ذلك) أي عرف حقيقة ما ذكر من أن أخلاقهم مرضية وهبية لا رياضة كسبية (كَمَا عُرِفَ مِنْ حَالِ عِيسَى وَمُوسَى وَيَحْيَى وسليمان وغيرهم عليهم السّلام بل غرزت) بصيغة المجهول أي طبعت وغرست (فيهم هذه الأخلاق في الجبلّة) أي الطبيعة الأصلية (وأودعوا العلم والحكمة في الفطرة) أي أول الخلقة الإنسانية (قال الله تعالى: وَآتَيْناهُ) أي أعطينا يحيى (الْحُكْمَ) أي النبوة وإتقان المعرفة (صَبِيًّا [مريم: ١٢] ) أي صغيرا. (قال المفسّرون: أعطى الله يحيى العلم) بصيغة المجهول أو المعلوم ويؤيده نسخة أعطى الله تعالى (بكتاب الله) أي التوراة أو بمضمون كتب الله تعالى مجملة أو مفصلة (في حال صباه) فيه إيماء إلى أن صبيا نصب على الحال من المفعول وقد روي أنه نبئ وفهم العلم بالكتاب وهو ابن ثلاث أو سبع؛ (وقال معمر) بفتح الميمين ابن راشد أبو عروة الأزدي مولاهم عالم اليمن روى عن الزهري وهمام وخلق وعنه ابن المبارك وعبد الرزاق اخرج له الأئمة الستة (كان) أي يحيى (ابن سنتين أو ثلاث) على ما رواه عنه أحمد في الزهد وابن أبي حاتم في تفسيره والديلمي عن معاذ ولم يسنده والحاكم في تاريخه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه بسند واه والتحقيق أن يحيى عليه الصلاة والسلام أعطي هذا المقام وهو في بطن أمه كما ورد من أن السعيد من سعد في بطن أمه وإنما قيده سبحانه وتعالى بحال الصبا لتعلق علم الخلق به حينئذ فاختلاف الروايات مبني على اختلاف إطلاع الناس على ما به من الحالات (فَقَالَ لَهُ الصِّبْيَانُ لِمَ لَا تَلْعَبُ فَقَالَ أللّعب خلقت) فهمزة الاستفهام للإنكار

<<  <  ج: ص:  >  >>