تعالى عليه وسلم (نفسه) أي نفس الرجل (وذكّرها) بالتشديد أي وعرفها وأعلمها (بما قال له فقال: ويحك) قيل هو بمعنى ويلك وقيل هو كلمة ترحم يقال لمن وقع في هلكة لا يستحقها فلجهله رحمه مبينا له ما جهله من أنه صلى الله تعالى عليه وسلم أحرى الخلق بالعدل بقوله (فمن يعدل) بالرفع فإن من استفهامية (إن لم أعدل) شرط حذف جزاؤه لدلالة ما قبله عليه والمعنى أيعدل غيري وأنا أجور كلا (خبت) بكسر الخاء (وخسرت) بكسر السين وضم تاءيهما (إن لم أعدل) أي فرضا وتقديرا إرشادا إلى أن من لم يعدل فقد باء بالخيبة والخسران واشعارا بكمال اتصافه بالعدل بل بزيادة الحلم والعفو والفضل وروي بفتح تاءيهما فالمعنى حرمت كل خير وخسرته في متابعتي إن لم أعدل في قسمتي على فرض قضيتي فكأنه قال خبت أيها التابع إذا كنت لا أعدل لكونك تابعا ومقتديا لمن لا يعدل أو خبت وخسرت إذ لا تستقر في الإسلام بما تقول إن نبيك ممن لا يعدل ومعنى الخيبة الحرمان والخسران الضياع والنقصان وحاصله أنك خبت في الدنيا وخسرت في العقبى إذا اعتقدت أني لم أعدل قال الحافظ المزي والضم أولى لأنه تعليق بعدم العدل الذي هو معصوم منه صلى الله تعالى عليه وسلم وقال النووي الفتح أشهر ولعله أسقط ما وجب له عليه من قتله رعاية لإيمانه الظاهر والله أعلم بالسرائر ولما ورد في بعض طرق هذا الحديث من زيادة قوله عليه الصلاة والسلام ويخرج من ضئضيء هذا قوم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية (ونهى من أراد من أصحابه) وهو خالد بن الوليد أو عمر وهو عند الأكثر أو كلاهما فتدبر (قتله) بناء على ظهور ارتداره بسبب طعنه في النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بنفي عدله والحديث رواه الشيخان، (ولمّا تصدّى له) أي وحين تعرض له صلى الله تعالى عليه وسلم (غورث بن الحارث) على ما رواه البيهقي وهو بفتح الغين المعجمة ويضم وقيل بالمعجمة والمهملة وقيل مصغر (ليفتك به) بكسر التاء وضمها فتكا بالتثليث أي ليقتله غفلة (ورسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم) أي والحال أنه (منتبذ) بكسر الموحدة وبالذال المعجمة أي منفرد عن أصحابه (تحت شجرة) أي في ظلها (وحده) حال مؤكدة أي ليس عنده أحد من احبابه (قائلا) اسم فاعل من القيلولة وقت الظهيرة أي مستريحا أو نائما (والنّاس قائلون) أي نازلون للقيلولة (في غزاة) وهي ذات الرقاع في رابع سنة من الهجرة (فلم ينتبه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم) أي لم يستيقظ من نومه أو لم يتنبه من غفلته عن عدوه (إلّا وهو) أي غورث (قائم) أي عند رأسه (والسّيف صلتا) بفتح الصاد ويضم أي حال كونه مسلولا أو التقدير صلته صَلْتًا (فِي يَدِهِ فَقَالَ مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟
فقال) أي النبي صلى الله تعالى عليه وسلم (الله) أي مانعي أو يمنعني؛ (فسقط) أي السيف كما في أصل صحيح (من يده: فأخذه النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم وقال) أي لغورث (مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي قَالَ كُنْ خَيْرَ آخِذٍ) بالمد أي متصفا بالحلم والعفو والكرم؛ (فتركه وعفا عنه) وكان ذلك سببا لإسلامه؛ (فَجَاءَ إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ خير النّاس) ورواه