بأهل للدعاء عليه أو سبه أو لعنه فالجواب أن المراد ليس بأهل لذلك عند الله تعالى وفي باطن الأمر ولكنه في الظاهر مستوجب له فيظهر له صلى الله تعالى عليه وسلم استحقاقه لذلك بأمارة شرعية وهو مأمور بحكم الظواهر والله يتولى السرائر (ولمّا كذّبه قومه) أي ومما يدل على كمال شفقته على أمته حديث الشيخين أنه لما كذبه قريش من كفار مكة (أتاه جبريل عليه السّلام) أي تسلية لحاله وتسكينا لتألمه (فقال له إنّ الله قد سمع قول قومك لك) أي لأجلك (وما ردّوا عليك) أي من تكذيب وغيره في حقك وقيل المعنى وما أجابوك وذلك لأنه سبحانه وتعالى لا يعزب عن علمه مسموع إلا أن سمعه صفة تتعلق بالمسموعات من غير جارحة على هيئة الموجودات فإنه سبحانه وتعالى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ فنزه سبحانه وتعالى أولا عن التشبيه والتمثيل ثم أثبت ردا على أهل التعطيل (وقد أمر ملك الجبال) أي أذنه بالانقياد لك (لتأمره) أي لأجل أن تأمره (بما شئت فيهم) أي فيطيعك في حقهم (فناداه ملك الجبال) أي فحضره الملك وناداه باسمه أو بوصف من أوصافه (وسلّم عليه) الواو لمطلق الجمع لمناسبة تقديم السلام على النداء والكلام (وقال مرني بما شئت) أي في قومك وحذف مفعوله للتعميم ثم خصص بقوله (إن شئت أن أطبق) بضم الهمزة وكسر الموحدة أي أوقع وأرمي (عليهم الأخشبين) أي فعلت وفي أصل الدلجي أطبقت وهو الأوفق لكنه مخالف للأصول المصرحة والنسخ المصححة والمراد بالأخشبين وهو بالخاء والشين المعجمتين فموحدة تثنية الأخشب وهو الجبل الخشن وأنشد أبو عبيدة:
كان فوق منكبيه أخشبا ... جبلان مطبقان بمكة
قيل هما أبو قبيس وقعيقعان أو الجبل الأحمر الذي أشرف على قعيقعان وعن ابن وهب هما جبلان تحت عقبة مني فوق المسجد (قال) وفي أصل الدلجي فقال (النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم بل أرجو) أي لا أريد استئصالهم بل أتوقع (أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ الله وحده) أي منفردا (ولا يشرك به شيئا) أي شيئا من الإشراك لا جليا ولا خفيا والجملة الثانية كالمؤكدة لما قبلها ويمكن اعتبار مغايرتها لها وما ذاك إلا لكونه رحمة للعالمين وقد أمضى الله سبحانه وتعالى رجاءه فكأنه صلى الله تعالى عليه وسلم دعا لهم بالخير ولو بواسطة تحمل الضير. (وروى ابن المنكدر) تقدمت منقبته وأنه تابعي جليل فالحديث مرسل إلا أنه ليس مما يقال بالرأي فيكون له حكم الموصول كما قالوا في موقوف الصحابي بهذا المعنى إنه يكون في حكم المرفوع لا سيما ويعضده الحديث السابق المروي في الصحيحين والحاصل أنه روي (أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: لِلنَّبِيِّ صَلَّى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ السَّمَاءَ والأرض والجبال أن تطيعك) أي بإطاعتك فمرها بما شئت فقال (أؤخّر عن أمّتي) أي العذاب الذي استحقوه بكفرهم (لعلّ الله أن يتوب عليهم) أي على