أمانة وأمنا من أن يقع منه خيانة (وأعدل النّاس) لأنه أعلمهم وأحكمهم وأرحمهم وكان الأظهر أن يقدم أعدل على آمن ليكون النشر مرتبا (وأعفّ النّاس) أي أكثرهم عفة واصبرهم على ما يوجب نزاهته (وأصدقهم لهجة) أكثرهم صدقا من جهة الناطقة (منذ كان) أي من ابتداء ما وجد لما جبل عليه من الأخلاق الحسنة ولا وجه لقول الدلجي من حين اعترف لأن قوله (اعترف) استئناف بيان وفي نسخة ثم اعترف (له بذلك) أي بما ذكر من الشمائل الرضية (محادّوه) بتشديد الدال المضمومة أي مخالفوه ومنه قوله تعالى مَنْ يُحادِدِ اللَّهَ لكون كل واحد منهما في حد كما قيل في وجه اشتقاق قوله سبحانه وتعالى مَنْ يُشاقِقِ اللَّهَ
(وعداه) بكسر عينه مقصورا اسم جمع أي أعداؤه ومعادوه (وكان يسمّى قبل نبوّته) أي ظهورها ودعوتها (الأمين) ؛ لغاية أمانته ونهاية ديانته (قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ كَانَ يُسَمَّى الْأَمِينَ بِمَا جمع الله فيه من الأخلاق الصّالحة) أي لأن تستعمل في طريق الحق وسبيل الخلق. (وقال تعالى) أي مكرم (مُطاعٍ) أي (ثَمَّ) أي عند الملأ الأعلى والحضرة العليا (أَمِينٍ [التكوير: ٢١] ) موصوف بالأمانة في دعوى النبوة ووحي الرسالة (أكثر المفسّرين على أنّه) أي المراد بالمطاع الأمين (محمّد صلى الله تعالى عليه وسلم) وكثير منهم على أنه جبريل عليه السلام وسياق النظم يؤيده وسباق الكلام يؤكده وعلى كل فاتصافه بالوصفين لا أحد ينكره؛ (ولمّا اختلفت قريش) على ما رواه أحمد والحاكم وصححه الطبراني أنه حين اختلفت أكابر قريش ورؤساؤهم (وتحازبت) بالزاي أي وصارت أحزابا وطوائف مجتمعة وضبطه بعضهم بالراء وهو تصحيف (عند بناء الكعبة) حين أجمرت امرأة فطارت شرارة فاحترقت الكعبة فهدموها وأرادوا تجديد بنائها فوقع خلافهم (فيمن يضع الحجر) أي الأسود والركن الأسعد في موضعه الأصلي قيل هدمه وكل يقول انا وأتباعي نضعه افتخارا بوضعه لأنه الركن الأعظم في ذلك المقام الأفخم وكاد أن يقع بينهم القتال لكثرة منازعة الرجال (حكّموا) جواب لما أي حكموا فيما بينهم لدفع النزاع عنهم (أن يكون الواضع أوّل داخل عليهم) أي ولا يكون واحدا منهم (فإذا بالنّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم داخل) أي ففاجأهم دخوله وباغتهم وصوله (وذلك) أي ما ذكر (قبل نبوّته) أي دعوى نبوته وظهور رسالته (فقالوا) أي مقرين له بوصف أمانته (هذا محمّد هذا الأمين قد رضينا به) ففرش صلى الله تعالى عليه وسلم رداءه المبارك ووضع الحجر عليه وأمر كل رئيس أن يأخذ بطرف منه وهو آخذ من تحته الذي فوض فيه الأمر إليه ووضعوه في موضعه. (وعن الرّبيع بن خثيم) بضم معجمة وفتح مثلثة روى عن ابن مسعود وغيره وعنه الشعبي ونحوه وكان ورعا قانتا مخبتا حتى قال ابن مسعود لو رآك النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لأحبك فطوبى له ثم طوبى له قال التلمساني وهو من الزهاد الثمانية ومن رجال حلية أبي نعيم (كان يتحاكم) بصيغة المجهول (إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم في الجاهليّة قبل الإسلام) أي قبل زمن البعثة وظهور النبوة (وقال صلى الله تعالى عليه وسلم) كما رواه ابن أبي شيبة في مصنفه. (والله إنّي لأمين في السّماء)