للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ضمن آياته حكاية عن يعقوب في شدة ما ابتلاه قال نَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ

(وكانت الفاقة) أي الحاجة الملازمة من الفقر المقتضي للصبر (أحبّ إليه من الغنى) المقتضي للشكر وهذا صريح في تفضيل الصبر على الشكر كما ذهب إليه أجلاء الصوفية وأكثر علماء الفقهية هذا وقد ورد لو تعلمون ما لكم عند الله لأحببتم أن تزدادوا فاقة وحاجة على ما رواه الترمذي عن فضالة بن عبيد (وإن) مخففة من المثقلة أي وأنه (كان ليظلّ) بفتح الظاء المعجمة وتشديد اللام أي يكون في طول النهار (جائعا) بهمزة مكسورة (يلتوي) أي حال كونه يتقلب ويضطرب (طول ليلته من الجوع) أي من استمرار جوعته أو من أجل حرارة لذعته ولذا ورد اللهم أني أعوذ بك من الجوع فإنه بئس الضجيع كما رواه الحاكم في مستدركه عن ابن مسعود مرفوعا وهذا كله لكمال زهده في الدنيا وإقبال قلبه على الأخرى بناء على رضى المولى (فلا يمنعه) أي جوعه (صيام يومه) أي الذي فيه ولو كان نفلا أو صيام يوم عادته في مستقبله وهذا بيان بعض شدة حاله (ولو شاء) أي الغني وما يترتب عليه من التنعم وحصول المنى ووصول الهدى (سأل ربّه جميع كنوز الأرض) أي استدعاه لا سيما وقد عرضها عليه مولاه (وثمارها) يجوز نصبها وهو الأشهر في المبنى وجرها وهو الأظهر في المعنى أي جميع ثمار اشجارها أو جميع فوائدها وعوائد فرائدها (ورغد) والرغد بفتحتين ويسكن على ما في القاموس (عيشها) أي سعة معيشتها وطيب منفعتها (وَلَقَدْ كُنْتُ أَبْكِي لَهُ رَحْمَةً مِمَّا أَرَى بِهِ وَأَمْسَحُ بِيَدِي عَلَى بَطْنِهِ مِمَّا بِهِ من الجوع) أي من أثر جوعه المختص به وهذا يدل على أنه كان يطعم أهله ويؤثرهم على نفسه (وأقول) أي والحال أني اقول حينئذ (نفسي لك الفداء) بالمد تفاديا به من ألم الجوع وشدته ومرارة حرارته (لو تبلّغت من الدّنيا بما يقوتك) بضم قاف أي لو توسعت من البلغة وتوصلت إلى المتعة بقدر ما يقويك على قيام الطاعة ويعينك على زيادة العبادة لكان أولى من هذه الحالة فجواب لو مقدر وما قدرناه أحسن من التقدير المشهور وهو لكان أحسن ويجوز أن يكون لو للتمني ويشير إلى ما اخترناه ما صدر عنه صلى الله تعالى عليه وسلم من الجواب الدال على أن اختاره هو الصواب.

(فيقول يا عائشة ما لي وللدّنيا) استفهامية انكارية أي لا حاجة لي إليها ولا إقبال لي عليها قال التلمساني قيل يجوز أن يكون ما استفهامية وتقديره أي الفة ومحبة لي معها حتى أرغب فيها وقيل يجوز أن يكون ما نافية أي ليس لي الفة إلى آخرة انتهى ثم بين إعراضه عنها بقوله (إخواني من أولي العزم من الرّسل) أي كلهم وأجلهم (صبروا على ما هو) أي على أمر عظيم هو (أشدّ من هذا) أي مما أنا صابر عليه لما روي أن بعضهم مات من الجوع وبعضهم من شدة اذى القمل وبعضهم من كثرة الجراحات وشدة الأمراض والعاهات وقد خصني الله تعالى فيما حثني وحضني على الاقتداء بهم بقوله سبحانه وتعالى فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ وفيه إيماء إلى أن العبرة في الكتاب والسنة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب (فمضوا على حالهم) أي التي كانوا عليها مما يقتضي الصبر ولم يطلبوا

<<  <  ج: ص:  >  >>