ذَرْعاً (أَيْ إِنَّ مَشْيَهُ كَانَ يَرْفَعُ فِيهِ رِجْلَيْهِ بسرعة) أي بقوة (ويمدّ خطوه) أي في مشيه (خلاف مشية المختال) أي لعصمته من الاختيال لقوله عز وجل وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولًا والمشية بكسر الميم لأنه مصدر للنوع (ويقصد) بكسر الصاد (سمته) أي مقصده في طريقه بدون ميل عن وسطه لقوله سبحانه وتعالى وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ. (وكلّ ذلك) أي ما ذكر من المراعاة في مشيه إنما كان (برفق) أي وفق لطف (وتثبّت) أي طلب ثبات (دون عجلة) إذ هي أيضا مذمومة كالخيلاء فكان مشيه معتدلا (كما قال) الراوي (كأنّما ينحطّ) أي ينزل (من صبب) وفي رواية في صبب وهو بفتحتين أي منحدر وروي كأنما يهوي من صبوب بضمتين، (وقوله يفتتح الكلام ويختمه بأشداقه) أي بجوانب فمه جمع شدق بالكسر (أي لسعة فمه) يعني إنما كان ذلك لاتساع فيه؛ (والعرب تتمادح بهذا) أي بوسع الفم وعظمته لدلالته على فصاحة صاحبه وبلاغته؛ (وتذمّ بصغر الفم) الباء زائدة أو سببية أي تذم الإنسان لصغر فمه ولا يعارض حديث أبغضكم إلي الثرثارون المتشدقون لأن المراد بهم المتوسعون في الكلام بدون احتياط واحتراز في نظام المرام والمستهزئون بالناس بلى الشدق ونأي الجانب والتمطي ونحو ذلك من أفعال اللئام، (وأشاح) أي بناء على أحد معانيه (مال) أي إلى كذا مانعا لما وراء ظهره (وانقبض) أي مما أرهقه وأغضبه إذ المشيح هو الحذر والجاد في الأمر أي المقبل عليه وفي الحديث أنه صلى الله تعالى عليه وسلم ذكر النار ثم أعرض وأشاح أي حذر منها كأنه ينظر إليها أوجد في الإيصاء باتقائها أو أقبل ومال في خطابه إليه، (وحبّ الغمام) أي السحاب (البرد) بفتحتين شبه بحب الأرض ولو من بعض الوجوه. (وقوله فيردّ ذلك بالخاصّة على العامّة) ولما كانت الجملة المضارعية لحكاية الحال الماضية صح تفسيره بقوله (أي جعل من جزء نفسه) أي بعض أوقات حظ نفسه (ما يوصّل الخاصّة إليه) أي زمانا مجعولا لا يكون وسيلة إلى توصيل الخاصة إليه (فتوصّل عنه للعامّة) أي بالواسطة لعدم إمكان الزمان أو لضيق مكانه عن وصول كافة الخلق إلى حصول إدراك شأنه وما لا يدرك كله لا يترك كله (وَقِيلَ يُجْعَلُ مِنْهُ لِلْخَاصَّةِ ثُمَّ يُبَدِّلُهَا فِي جزء آخر بالعامّة) وقد عرفت وجه ضعفه فيما تقدم والله تعالى أعلم؛ (ويدخلون) أصحابه عنده (روّادا) بضم راء وتشديد واو جمع رائد (أي محتاجين إليه وطالبين لما عنده) لما لديه من هداية ومعرفة نازلة عليه (ولا يتفرقون) أي لا ينصرفون كما في نسخة (إلّا عن ذواق) بفتح أوله بمعنى مذوق من الذوق المعنوي أو الحسي، (قيل عن علم يتعلّمونه) أي ثم يصيرون هداة للسان يعلمونهم ومثل هذا يروى عن أبي بكر بن الأنباري وزاد عليه فقال فيقوم لهم ما يتعلمونه مقام الطعام والشراب لأنه عليه الصلاة والسلام كان يحفظ أرواحهم كما يحفظ الطعام والشراب أجسامهم وأشباحهم (ويشبه) أي والأشبه (أن يكون) أي ذواقهم (على ظاهره أي في الغالب والأكثر) أي من مأكول أو مشروب باعتبار الأكثر الأغلب وإلى هذا المعنى قال الإمام الغزالي في الإحياء والحمل على المعنى الأعم هو الأتم والله تعالى أعلم؛