للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجلالته وسيادته قال البخاري في تاريخه ولد سنة ثمانين وتوفي سنة ثمان وأربعين ومائة انتهى وقد أخرج له مسلم والأربعة وكذا البخاري في كتابه أدب المفرد: (علم الله تعالى عجز خلقه عن طاعته) أي عن معرفة ما يطلب منهم فعلا وتركا من طاعته بغير واسطة رسول وبعثته لبيان عبادته، (فعرّفهم) بتشديد الراء أي فأعلمهم (ذلك) أي العجز (لِكَيْ يَعْلَمُوا أَنَّهُمْ لَا يَنَالُونَ الصَّفْوَ مِنْ خدمته) أي الخالص من طاعته بل إنما ينالون بالواسطة من فضله ورحمته كما قال الله تعالى قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا وفي قضية إبليس إيماء إلى أن كثرة الخدمة غير مفيدة مع قلة الرحمة، (فأقام بينه وبينهم مخلوقا من جنسهم في الصّورة) أي مباينا لصنفهم في السيرة؛ (أَلْبَسَهُ مِنْ نَعْتِهِ الرَّأْفَةَ وَالرَّحْمَةَ، وَأَخْرَجَهُ إِلَى الخلق سفيرا) أي وأظهره مرسلا إليهم حال كونه رسولا مصلحا لما بينهم (صادقا) أي مطابقا قوله فعله وموافقا حكمه خبره، (وجعل طاعته طاعته) بنصبهما أي كطاعة الله تعالى أي فيما يأمره وينهاه وهو تشبيه بليغ مفيد للمبالغة وهو أن طاعته عين طاعته وكذا قوله (وموافقته موافقته) أي في أمر دينه ودنياه فلا تجوز مخالفته في طريق مولاه كما قال سبحانه وتعالى في حقه فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ (فَقَالَ تَعَالَى: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ [النساء: ٨٠] ) وقد روي من أحبني فقد أحب الله ومن عصاني فقد عصى الله تعالى وكذا قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ (وَقَالَ تَعَالَى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ (١٠٧) [الأنبياء: ١٠٧] ) وكذا قوله صلى الله تعالى عليه وسلم إنما أنا رحمة مهداة على ما رواه الحاكم عن أبي هريرة (قال أبو بكر محمّد بن طاهر) وفي نسخة محمد ابن طاهر أي ابن محمد بن أحمد بن طاهر الاشبيلي القيسي وبهذا يعرف أن ليس المراد به عبد الله بن طاهر الأبهري الذي هو من أقران الأشبيلي خلافا لما توهمه التلمساني قال العسقلاني هو مغافري شاطبي روى عن أبيه وابن علي النسائي وغيرهما وأجاز له أبو الوليد الباجي: (زيّن الله محمّدا صلى الله تعالى عليه وسلم بزينة الرّحمة) أي بزيادة المرحمة (فكان كونه) أي وجوده (رحمة) وأغرب الدلجي في قوله مكان كونه موصوفا بالرحمة رحمة، (وجميع شمائله) جمع شمال بالكسر وهو الخلق بالضم والمراد بها أخلاقه الباطنة، (وصفاته) الظاهرة من نحو كرمه وجوده (رحمة) الأولى مرحمة لتغاير الأولى والمعنى محل رحمة نازلة (على الخلق) أي عامة وخاصة، (فَمَنْ أَصَابَهُ شَيْءٌ مِنْ رَحْمَتِهِ فَهُوَ النَّاجِي) قال التلمساني أي الخالص والصواب المخلص (في الدّارين) أي حالا ومآلا (من كلّ مكروه) أي مغضوب (والواصل فيهما) أي وهو الواصل في الكونين (إلى كلّ محبوب) وفيه إيماء إلى ما ورد من أن الله تعالى خلق في ظلمة ثم رش عليهم من نوره فمن أصاب من ذلك النور اهتدى ومن أخطأه فقد ضل وغوى؛ (ألا ترى) بصيغة الخطاب المعلوم ويجوز أن يقرأ بصيغة الغائب المجهول أي ألا تعلم (أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً) أي ذا رحمة وأريد بها المبالغة (لِلْعالَمِينَ [الأنبياء: ١٠٧] ) أي من غير تقييد للمؤمنين أو

<<  <  ج: ص:  >  >>