في الدنيا لأنها دار الفناء واللقاء إنما يكون في دار البقاء وحال الإسراء يعد من أمر الآخرة بدليل الكشوفات الذاخرة والمقامات الفاخرة المقتضية لخرق العادة في قوة بنية نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم في تلك الحالة (ثمّ ضرب) أي بين (له مثلا) وفي نسخة مَثَلًا (مِمَّا هُوَ أَقْوَى مِنْ بِنْيَةِ مُوسَى) بكسر موحدة وسكون نون فتحتية أي من تركيب بناء جسده واعضاء جسمه (وأثبت) تفسير لا قوي (وهو الجبل) أي بحسب الهيكل الصوري حيث قال وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فسوف تراني (وَكُلُّ هَذَا لَيْسَ فِيهِ مَا يُحِيلُ رُؤْيَتَهُ في الدّنيا) أي يقتضي ردها ويروى وقوعها محالا (بل فيه جوازها على الجملة) أي دليل جواز وقوعها في الجملة حيث علق وقوع رؤيته على استقرار الجبل في مكانه بعد تجلي رؤيته والتعليق بالممكن يفيد الإمكان إذ معنى التعليق هو أن يقع على تقدير وقوع المعلق عليه والمحال لا يقع على تقدير أصلا (وليس في الشّرع) أي في الكتاب والسنة (دليل قاطع على استحالتها) أي استحالة جوازها (ولا امتناعها) أي ولا دليل على امتناع وجودها (إذ كلّ موجود) أي لأنه سبحانه وتعالى موجود بل واجب الوجود وكل موجود جائز الرؤية (فرؤيته جائزة غير مستحيلة) كما قال الأشعري (ولا حجّة لمن استدلّ على منعها) أي امتناع جوازها (بِقَوْلِهِ تَعَالَى لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ [الْأَنْعَامِ: ١٠٣] لِاخْتِلَافِ التأويلات في الآية) أي ومع الاحتمال لا يصح أن يكون حجة إذ قد قيل المراد بالإدراك الإحاطة ولا يلزم منه نفي مطلق الرؤية وقيل ليس عاما في الأوقات فيخص ببعضها ضرورة الجمع بين الأدلة ولا في أشخاص إذ هو في قوة قولك لا كل بصر يدركه فيخص ببعضهم لقوله تَعَالَى كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ وقد أغرب عز الدين بن عبد السلام في قوله لا تراه الملائكة (وإذ ليس) عطف على الاختلاف وقيل على قوله كل موجود ولا يخفى بعده أي ولأنه (لا يقتضي قول من قال في الدّنيا) أي بمنعها في الدنيا (الاستحالة) أي للرؤية لأنه ليس نصا في المنع بل أخذ بتأويل واحتمال لا يقتضي الاستحالة (وقد استدلّ بعضهم بهذه الآية) أي آية لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ (نَفْسِهَا عَلَى جَوَازِ الرُّؤْيَةِ وَعَدَمِ اسْتِحَالَتِهَا عَلَى الجملة) إذ مفهوم نفي الإحاطة جواز الرؤية (وقد قيل) أي في تأويل الآية (لا تدركه أبصار الكفّار) على أن اللام للعهد بقرينة قوله كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (وقيل لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ لا تحيط به) أي كما مر مرارا (وهو قول ابن عبّاس وقد قيل) أي في التأويلات (لا تدركه الأبصار) أي أنفسها (وإنّما يدركه المبصرون) أي بسببها وبقوة الهية فيها وهو بضم الميم وإسكان الباء وكسر الصاد قال تعالى فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ والمعنى أن الإدراك إنما يكون للمبصر بواسطة البصر لا للبصر نفسه (وَكُلُّ هَذِهِ التَّأْوِيلَاتِ لَا تَقْتَضِي مَنْعَ الرُّؤْيَةِ ولا استحالتها) أي بل تقتضي جوازها (وكذلك لا حجّة لهم) أي على منعها (بِقَوْلِهِ تَعَالَى لَنْ تَرانِي [الْأَعْرَافِ: ١٤٢] وَقَوْلِهِ تُبْتُ إِلَيْكَ [الأعراف: ١٤٣] لما قدّمناه) أي للتأويل الذي قدمناه وهو قوله أي لن تطيق مما يؤذن بجوازها كسؤال موسى إياها (ولأنّها) أي آية لَنْ تَرانِي