هذا الفرق ما وقع بين قول يحيى وعيسى عليهما السلام حيث قال في الأول سلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا وقال الثاني والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم ابعث حيا ولا شك أن السلام الأول في هذا المحل أفضل لأنه شهادة من الله تعالى على سلامته في جميع حالاته بخلاف الثاني فإنه يخبر به عن حال نفسه وإن كان صادقا في مقاله ولا يتصور تخلف في وقوعه ثم هذا لا ينافي كون عيسى أفضل من يحيى لأنه قد يوجد في المفضول ما لا يوجد في الفاضل مع أنه قد يقال إن عيسى كان في مقام الانبساط والبقاء فطال لسانه وكان يحيى في مقام القبض والفناء فكل لسانه فقام الحق عنه في الانتهاء كما قال هو بحقه سبحانه وتعالى في الابتداء حيث لم يهم بمعصية في الاثناء ومن كان لله كان الله له ومن ترك حظ نفسه قام الله معه هذا (والخليل قال وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ) أي في الآخرين كما في نسخة أي ثناء جميلا وذكرا جزيلا قال واجعل لي لسان صدق) أي في الآخرين كما في نسخة أي ثناء جميلا وذكرا جزيلا فيمن يجيء بعده إلى يوم الدين فاستجيب له فما من أمة إلا وهم محبون له ومثنون عليه ومتمنون أن ينتسبوا إليه ولا يبعد أن يقال المراد بالآخرين هذه الأمة من السابقين واللاحقين (وَالْحَبِيبُ قِيلَ لَهُ وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ [الشَّرْحِ: ٤] ) أي فوق المنابر والمنابر مقرونا بذكر ربه بل مكتوبا على ساق عرشه وأشجار جنته وقصورها ونحور حورها (أعطي) أي الحبيب صلى الله تعالى عليه وسلم ذلك المنال في الحال (بلا سؤال) وأجيب دعوة الخليل عليه السلام في الاستقبال؛ (وَالْخَلِيلُ قَالَ وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ) أي بعدني وإياهم عن عبادتها وهذه لغة نجد ولغة الحجاز جنبني وأراد بنيه لصلبه حتى يصدق عليه أن دعاءه مستجاب عند ربه لظهور الكفر من بعض أحفاده وفيه إيماء إلى أن عصمة الأنبياء بتوفيق الله تعالى وحفظه (والحبيب قيل له) أي من غير سؤال منه (إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ) أي الذنب المدنس (أَهْلَ الْبَيْتِ [الأحزاب: ٣٣] ) بالنصب على المدح أو النداء ولعل المراد بأهل البيت من كان في زمنه صلى الله تعالى عليه وسلم من أولاده وذريته وأزواجه هذا والخليل قال الملائكة لسارة زوجته رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت فمن هنا نشأ فرق آخر بين نسبة أهل بيت الحبيب ونسبة أهل بيت الخليل (وفيما ذكرناه) أي من الخلاف في تفسير الخلة والمحبة وما صدر من أهل المعرفة (تنبيه على مقصد أصحاب المقال من تفضيل المقامات والأحوال) أي للمحبة والخلة وتفاوت مرتبة كل منهما في الحال والمآل وهو بالضاد المعجمة أو المهملة كما في النسخ المختلفة (وكُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ) أي طريقته التي تشاكل حاله في الهدى والضلال أو على عادته وجبلته التي طبع عليها في أوائل الأحوال كما قال الله تعالى فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى الآيتين (فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلًا [الْإِسْرَاءِ: ٨٤] ) أي وبمن هو أخطأ مسلكا ودليلا فسبحان من أراد جعله مهيبا عزيزا ولو شاء صيره مهينا ذليلا.