للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بحسن صنيعهم وتقدمهم في الإسلام وفي نسخة لأهل اليمين وهي رواية مسلم في المناقب وهي التي جعلها الدلجي أصلا والحلبي صوبها وقال المراد بها الجهة المعروفة عن يمين الكعبة انتهى والأظهر أن المراد بأهل اليمين اصحاب اليمين من أرباب الجنة ويدخل في عمومهم أهل اليمن وخص بهم لأن السابقين يفهم منه بالأولى كما لا يخفى هذا وقد ضعف النووي هذا الظن من القاضي بأن المراد من وصفه بها تعريفه بصفة يراها الناس معه ويستدلون بها على صدقه وأنه المبشر به المذكور في الكتب السالفة فلا يصح تفسيرها بعصا تكون في الآخرة فالصواب ما قاله الأئمة في تفسير كونه صاحبها أنه يمسك القضيب بيده كثيرا وقيل لأنه كان يمشي والعصا بين يديه وتغرز له فيصلي إليها وهذا في الصحيح مشهور هكذا ذكره الدلجي وقرره تبعا للحلبي حيث قال وتعقبه النووي فإن هذا ضعيف وباطل إلى آخر ما ذكره وأقول لعل وجه ما اختاره المصنف هو الأحرى بحمل هذا النعت على الدار الآخرة لأن أخذ العصا من سنن الأنبياء في الدنيا فإذا لم يحمل على هذا المعنى لم يتميز عن إخوانه بالوصف الأول بخلاف الصفة الأولى فإنه النعت المختص به في العقبى لا سيما وعامة العرب لا يمشون إلا بالعصا فلا يصلح أن تكون العلامة لخاتم الأنبياء مع أن أخذه إياها إنما كان أحيانا ثم لا يلزم من ذكر نعوته في الكتب السابقة أن لا يكون بعضها متعلقا بالدار الآخرة وبعضها بالأحوال السابقة. (وأمّا التّاج فالمراد به العمامة) فيه بحث فإن المراد به غير معلوم إلا لرب العباد وأما باعتبار اللغة والعرف فهو مستعمل في غير العمامة على اختلاف في عرف العامة وأما ما ورد في الحديث فظاهره أنه أراد المعنى المجازي حيث نزل العمامة منزلة التاج وأقامها مقامه في مرتبة الوقار والرواج كما يدل عليه أو يشير إليه قوله (ولم تكن) أي العمامة (حينئذ) أي حين وجوده صلى الله تعالى عليه وسلم (إلّا للعرب) أي وكان الناس كلهم أصحاب التيجان إما مع العمامة أو بدونها (والعمائم) أي بدون التيجان (تيجان العرب) أي اكتفاء بها عن غيرها وفيه إشعار بأنهم من أهل القناعة الدنيوية وموصوفون بعدم التكلف في موجبات الرعاية العرفية والحاصل أن الأصح أن يراد بقوله صاحب التاج تاج الكرامة يوم القيامة كما قدمناه. (وأوصافه) أي نعوته من اسمائه، (وألقابه) أي المشعرة بأنواع مدحه وثنائه، و (سماته) بكسر السين أي شمائله وعلامات فضائله (في الكتب) أي الماضية والمتقدمة (كثيرة وفيما ذكرناه منها) أي وإن كانت قليلة يسيرة (مقنع) بفتح الميم والنون أي محل كفاية ومكان قناعة (إن شاء الله تعالى) إذ إحصاؤها غير ممكن كما لا يخفى (وكانت كنيته المشهورة أبا القاسم) لحديث البخاري كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم في السوق فقال رجل يا أبا القاسم فالتفت إليه فقال إنما دعوت هذا فقال سموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي ولعل وجهه أنه كان يدعي بالكنية تعظيما ولا يدعي باسمه للنهي الوارد عنه تكريما وزيد في رواية فإني إنما جعلت قاسما أقسم بينكم وفيه إشارة إلى أن المراد بأبي القاسم هو الموصوف بهذا الوصف وهو لا ينافي

<<  <  ج: ص:  >  >>