اجتمع (فيها ما أنزل الله عَلَى عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مِنْ أَحْوَالِ الدُّنْيَا) أي من علائق المعاش (والآخرة) أي من لواحق المعاد (وهي) أي تلك الآية الجامعة (قوله تعالى: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ) في فرائضه (وَرَسُولَهُ) أي في سننه أو في جميع ما يأمرانه وينهيانه (وَيَخْشَ اللَّهَ) أي ويخف خلافه وعقابه وحسابه (وَيَتَّقْهِ [النور: ٥٢] ) فيه قراآت مشهورة في محلها مسطورة أي ويتق الله فيما بقي من عمره في جميع أمره (الآية) تمامها فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ أي الظافرون بالمراد في المبدأ والمعاد؛ (وحكى الأصمعيّ) وهو عبد الملك بن أصمع البصري صاحب اللغة والغريب والأخبار والملح ولد سنة ثلاث وعشرين ومائة (أنّه سمع جارية) أي بنتا أو مملوكة خادمة تتكلم بعبارة فصيحة وإشارة بليغة وهي خماسية أو سداسية وهي تقول: استغفر الله من ذنوبي كلها فقال لها مم تستغفرين ولم يجر عليك قلم فقالت:
استغفر الله لذنبي كله ... قتلت انسانا لغير حله
مثل غزال ناعم في دله ... انتصف الليل ولم أصله
(فقال لها: قاتلك الله ما أفصحك) أي هي حقيقة بأن يقال لها ذلك تعجبا من فصاحة قولها كما يقال قاتله الله ما أعجب فعله أي بلغ في الكمال غاية لم يصل غيره إليها فاستحق أن يحسد فيه فيدعي عليه (فقالت أو) بفتح الواو (يعدّ هذا) بصيغة المجهول والمفهوم من الدلجي أن أصله بصيغة الخطاب المعلومة حيث قال عطف على مقدار أي ايعجبك وتعده (فَصَاحَةً بَعْدَ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى) أي أشرنا إليها إلهاما أو مناما (أَنْ أَرْضِعِيهِ [القصص: ٧] ) أي أخفيه ما أمكنك فيه (الآية) وهي قوله تعالى فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ أي من لحوق الهم فألقيه في اليم ولا تخافي عليه ضياعه ولا تحزني فراقه أنا رادوه إليه لتقري عينا وجاعلوه من المرسلين عنا بمرأى منا (فجمع) أي الله سبحانه وتعالى (في آية واحدة بين أمرين) هما أرضعيه والقيه (ونهيين) أي لا تخافي ولا تحزني (وخبرين) يعني وأوحينا فإذا خفت عليه (وبشارتين) أي رادوه وجاعلوه (فهذا) أي الجمع بين المذكور في الآية ذكره الدلجي والأظهر أن هذا الذي ذكر من غاية الفصاحة ونهاية البلاغة في هذه الآية وغيرها مما سبق ذكره (نوع من إعجازه) أي إعجاز القرآن (منفرد) وفي نسخة مستقل (بذاته غير مضاف إلى غيره) أي من أنواعه المتعلقة بصفاته من حيث إخباره عن مغيباته وإنبائه عن أحكام عباداته ومعاملاته ومأموراته ومنهياته (على التّحقيق) أي عند أهل التوفيق (وعلى الصّحيح من القولين) أي اللذين سبق ذكرهما بالتصريح فإن الأول وهو الأولى هو القول بأنه خارج عن قدرة البشر وثانيهما أنه صرفهم عن معارضته خالق القوى والقدر فتأمل وتدبر (وكون القرآن) أي نزوله باعتبار ظهوره ووصوله (من قبل النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم) بكسر القاف وبفتح الموحدة أي من جانبه وطرف حصوله (وأنّه أتى به معلوم ضرورة) أي