لما يريد منهما إيجادا وإعداما كما حكى الله سبحانه وتعالى عنهما بقوله فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ امتثالا لأمره وانقيادا لحكمه مهابة من عظمته ومخافة من سطوته وين أردت تفصيل ما يتعلق بهذه الآية في الجملة فعليك بشرح الدلجي حيث ذكر بعض ما يتعلق بها من حسن مبانيها ولطافة معانيها وبدائع الحكم التي أودعت فيها.
(وقوله تعالى فَكُلًّا) أي عقيب ارسالنا الأنبياء إلى أممهم وتكذيبهم كلا منهم (أَخَذْنا بِذَنْبِهِ) عاقبناه بإصراره على كفره وعدم رجوعه إلى توحيد ربه (فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً [العنكبوت: ٤٠] ) أي ريحا عاصفا فيه حصباء وهم قوم لوط (الآية) تمامها وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وهم ثمود ومدين وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ وهو قارون وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا وهم قوم نوح وفرعون مع قومه (وأشباهها) بالنصب أي أمثال هذه الآية ووقع في أصل الدلجي وأشباهه فقال أي أشباه ما ذكر (من الآي) أي من سائر آيات القرآن (بل أكثر القرآن) أي وبل إذا تأملت أكثر القرآن أي مما هو بمحل من إيجاز لا يرام وإعجاز لا يسام (حقّقت) جواب إذا تأملت أي عرفت (ما بيّنته من إيجاز ألفاظها) أي مبانيها (وكثرة معانيها وديباجة عبارتها) أي مما يكسوها زينة إشارتها (وحسن تأليف حروفها) أي من غير تنافر فيما بينها (وتلاؤم كلمها) بفتح فكسر أي توافق كلماتها وتناسبها في مقاماتها قال الدلجي وقد تخفف همزة تلاؤم فتصير ياء من الملائمة أي الموافقة لا واوا وما روي في الحديث بها فتحريف لا أصل له لأن الملاومة مفاعلة من اللوم انتهى ولا يخفى أن تخفيف الهمز المضموم بعد الألف لا يعرف إلا بالواو كالتناوش وأما عروض المشابهة بعد التخفيف فلا عبرة به أصلا كما حقق في تخفيف رئاء وأمثالها. (وأنّ تحت كلّ لفظة منها) أي من مبانيها (جملا) أي من جمل الكلام المجملة (كثيرة) أي من معانيها (وفصولا جمّة) أي غزيرة من الفصول المهمة والأمور المتمة (وعلوما زواخر) لها في مقام الكثرة فواخر كما قال ابن عباس:
جميع العلم في القرآن لكن ... تقاصر عنه أفهام الرجال
وقد سأل بعض الحكماء من بعض العلماء ما في كتاب الله تعالى من علم الطب فقال كله في نصف آية هي قوله تعالى كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا فقال صدقت وبالحق نطقت (ملئت الدّواوين) أي الدفاتر (من بعض ما استفيد منها) أي مما يعسر احصاؤه (وكثرت المقالات في المستنبطات عنها) أي مما لا يمكن استقصاؤه (ثمّ هو) مبتدأ أي القرآن الكريم (في سرد القصص الطّوال) أي في إيرادها متتابعة (وأخبار القرون السّوالف) أي أهلها السوابق متوالية (التي يضعف) أي يعجز (في عادة الفصحاء عندها الكلام) أي لطولها (ويذهب ماء البيان) أي عند إرادة تقرير فصولها (آية) خبر المبتدأ أي علامة ظاهرة (لمتأمّله) أي لمتذكره وحجة باهرة لمتدبره (من ربط الكلام) أي من جهة ارتباط اجزاء كلامه (بعضه ببعض) في