الإعجاز كالملاحة يدرك ولا يوصف بالإشارة (وَانْتَهَتْ فَوَاصِلُ كَلِمَاتِهِ إِلَيْهِ وَلَمْ يُوجَدْ قَبْلَهُ) أي من الكتب المتقدمة (ولا بعده) أي ولا يتصور أن يوجد بعده (نظير له) أي شبيهه ومثله في حسن المباني وروانق المعاني (ولا استطاع أحد مماثلة شيء منه) أي لجزالة فصاحته وفخامة بلاغته (بل حارث فيه عقولهم) أي تحيرت (وتدلّهت) بالدال المهملة وفي نسخة تولهت بالواو أي أندهشت (دونه) أي عنده (أحلامهم) أي فهومهم في تصوره وتدبره (ولم يهتدوا إلى مثله) أي إلى إتيان شبهه (فِي جِنْسِ كَلَامِهِمْ مِنْ نَثْرٍ أَوْ نَظْمٍ أو سجع) أي في أحدها (أو رجز) بفتح الراء والجيم وفي آخره زاء وهو من بحور الشعر وأنواعه وقيل لا يسمى شعرا ولذا عطف عليه بقوله (أو شعر) وعلى الأول يكون تعميما بعد تخصيص وضبط في بعض النسخ بفتح الزاء وسكون الجيم في آخره راء والظاهر أنه تصحيف لعدم المناسبة بين السابقة واللاحقة (ولمّا سمع كلامه صلى الله تعالى عليه وسلم الوليد بن المغيرة) وهو والد خالد رضي الله تعالى عنه لكن هلك على دينه لقلة يقينه (وقرأ عليه القرآن رقّ) بتشديد القاف أي تأثر بسماعه لما القي عليه (فجاءه أبو جهل) وهو ابن أخيه (منكرا عليه) أي رقته لديه (قال) وفي نسخة فقال أي الوليد (والله ما منكم أحد أعلم بالأشعار) أي بأنواع الشعر (مِنِّي وَاللَّهِ مَا يُشْبِهُ الَّذِي يَقُولُ شَيْئًا من هذا) أي من جنس الشعر (وفي خبره الآخر) أي عن الوليد كما رواه البيهقي عن ابن عباس (حين جمع قريشا عند حضور الموسم) أي قرب ورود أهله وهو بفتح ميم وكسر سين قال اليمني موسم الحاج مجمعهم سمي بذلك لأنه معلم يجتمع إليه وهو يصلح أن يكون اسما للزمان والمكان انتهى والظاهر الأول فتأمل (وقال) وفي نسخة فقال (إنّ وفود العرب) جمع وفد وهو القوم يجتمعون ويردون البلدة والقرية لمآرب تحوجهم إلى النقلة (ترد) أي يجيئون إليكم وينزلون عليكم (فأجمعوا فيه رأيا) بفتح الهمزة وكسر الميم من أجمع الأمر وأزمعه إذا نواه وعزم عليه أي اجتمعوا بالعزم على رأي فيه صلى الله تعالى عليه وسلم ومنه قوله تعالى فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ وقرأ أبو عمرو بهمزة الوصل وفتح الميم ووجهه ظاهر ولا يبعد أن يضبط هنا كذلك أيضا أي أجمعوا رأيا فيه لا يوجد ما ينافيه كما أشار إليه بقوله (لا يكذّب بعضكم بعضا) وهو بتشديد الذال وتخفف كما قرئ بهما في قوله تعالى فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ والمعنى لا ينسب بعضكم بعضا إلى الكذب (قالوا) وفي نسخة فقالوا (نقول كاهن) وهو من يزعم أنه يخبر عن الكائنات في الأزمنة الآتية ويدعي معرفة أسرار المغيبات الماضية وكان في العرب كهنة كشق وسطيح وهما اللذان أخبرا بمبعث النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فمنهم من زعم أن له رئيا من الجن يلقى إليه أخبارا يسترقها من السماء ويلقطها مما يراه في أطراف الأرض ومنهم من زعم أنه يعرف الأمور بمقدمات أسباب من كلام من يسأله أو فعله أو حاله ويخصونه باسم العراف كمن يزعم معرفة المسروق ومكان الضال وحلوان الكاهن والعراف حرام (قال) أي الوليد (والله ما هو بكاهن) إذ لم يعهد منه صلى الله تعالى عليه وسلم أنه سلك طريقهم في تزوير أقاويل باطلة روجها بسجع في كلمات