أخرجت للنّاس) كان حقه أن يقول به هنا أيضا لأن خيرية أمته إنما هي لأجل أفضلية نبوته بناء على الملازمة العادية لكن جعله سببا أولى من عكس القضية كما أشار صاحب البردة إلى هذه الزبدة بقوله:
لما دعا الله داعينا لطاعته ... بأفضل الرسل كنا أفضل الأمم
(وفي حديث آخر) رواه الدارمي عن كعب موقوفا والطبراني وأبو نعيم في دلائله عن ابن مسعود: (أخبرنا رسول الله صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صِفَتِهِ فِي التَّوْرَاةِ عَبْدِي) أي المخصوص عندي (أحمد المختار) أي على سائر الأخيار وفي نسخة بالجر فاللام للجنس الاستغراقي أي أحمد كل ما اخترته واصطفيته من الأنبياء والملائكة والأصفياء (مولده) أي مكان ولادته وظهور رسالته (بمكّة ومهاجره) بضم الميم وفتح الجيم أي موضع هجرته ومحل نقلته (بالمدينة) ليحصل للحرمين الشريفين بركته أولا وآخرا وباطنا وظاهرا وليكون زيادة البقعتين بمنزلة ابداء الشهادتين (أو قال طيبة) بفتح الطاء وهو اسم من اسماء المدينة كطابة والتقدير أنه قال بالمدينة أو بطيبة كما في نسخة فأو للشك في الاسم لا في المسمى وقد روي أن لها في التوراة أحد عشر اسما هذان منها وكانت قبل الإسلام تسمى بيثرب باسم رجل من العماليق قبيلة منسوبة إلى عملاق كان يسكنها فلما جاء الإسلام وسكنها عليه الصلاة والسلام كره له هذا الاسم لما فيه من لفظ التثريب فسماها طيبة وقد جاء في القرآن لفظ يثرب ولكن الله سبحانه وتعالى لم يسمها بذلك وإنما قاله حكاية عن الكفار والمنافقين وقال وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ فارجعوا فنبه سبحانه وتعالى بما حكى عنهم أنهم قد رغبوا عن اسم سماها به رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وأبوا إلا ما كانوا عليه من جاهليتهم وقد سماها الله سبحانه وتعالى المدينة بقوله ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وسلم وقد روى في معنى قوله تعالى وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ أنه المدينة وأن مخرج صدق مكة وسلطانا نصيرا الأنصار وقد ورد من سمى المدينة بيثرب فليستغفر الله وهي طابة رواه أحمد في مسنده عن البراء (أمّته الحمّادون لله) أي المبالغون في حمده سبحانه وتعالى تبعا لنبيهم أحمد فكما أنه أحمد الخلق فهم أحمد الأمم ومما يدل على كثرة حمدهم ودوام شكرهم تقييده بقوله (على كلّ حال) أي من السراء والضراء وفي حاشية المنجاني أمته الحمادون يحمدون الله على كل حال وفي رواية حماد بن سلمة عن كعب أنه قال وجدت في التوراة زيادة على هذا وهي يوضئون اطرافهم ويتزرون على انصافهم في قلوبهم اناجيلهم يصلون الصلاة لوقتها رهبان بالليل ليوث بالنهار ولم تزل اليهود بعد ما غيرت من صفات رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم تغار على ظهور شيء مما بقي فيها وتكتم أشد الكتم وقد أخرج أبي ابن شيبة عن عبد الله بن مسعود في مسنده أنه قال الله تعالى عز وجل ابتعث نبيه لإدخال