عليه إذ كان أمكنه أن يمتنع منه إلا أنه وافق حكمه أمره صلى الله تعالى عليه وسلم بخروجه اختيارا فاختار خروجه من غير أن يكون هناك إكراه واجبارا وإلا فالأمر بإخراجه محقق بلا شبهة لقوله (ووجده في المسجد) أي مسجد المدينة (نائما، فقال) أي النبي عليه الصلاة والسلام (له) أي لأبي ذر (كيف بك إذا أخرجت منه) أي في هذا المسجد وما حواليه (قال أسكن المسجد الحرام) أي وما حوله من الحرم، (قال فإذا أخرجت منه الحديث) أي بطوله قيل كان أخرجه عثمان إلى الشام لأنه كان إذا مر به عثمان يقرأ قوله تعالى يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ ثم رضي عليه فرده إلى المدينة ثم أخرجه إلى الربذة هي قرية خربة فسكنها إلى أن مات (وبعيشه وحده وموته وحده) أي وأخبر أن أبا ذر يعيش وحيدا ويموت فريدا فكان كما أخبره عليه الصلاة والسلام على ما رواه أحمد وابن راهويه وابن أبي أسامة والبيهقي واللفظ له قالت أم ذر لما حضرت أبا ذر الوفاة بكيت فقال وما يبكيك فقلت وما لي لا أبكي وأنت تموت بفلاة من الأرض وليس عندي ما يسع كفنا لي ولا لك قال فأبشري ولا تبكي فإني سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقول لنفر أنا فيهم ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض يشهده عصابة من المسلمين وليس من أولئك النفر أحد إلا وقد مات في قرية وجماعة فأنا ذلك الرجل فأبصري الطريق فبينما أنا وهو كذلك إذا أنا برجال على رحالهم كأنهم الرخم فألحفت بثوبي فأسرعوا حتى دخلوا عليه فقال لهم كما قال ثم قال أنتم تسمعون أنه لو كان عندي ثوب يسعني كفنا لي أو لامرأتي لكفنت فيه إني أنشدكم الله ثم أنشدكم الله أن لا يكفني رجل منكم كان أميرا عريفا أو بريدا أو نقيبا وليس منهم أحد إلا قارف ما قال إلا فتى من الأنصار قال أنا اكفنك يا عم في ردائي هذا وثوبين في عيبتي من غزل أمي قال فكفني فكفنه وقاموا فدفنوه وعن ابن مسعود قال لما خرج رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إلى غزوة تبوك تخلف أبو ذر يتلوم بعيره فقالوا يا رسول الله تخلف أبو ذر فقال دعوه إن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم قال فلما أبطأ عليه بعيره أخذ متاعه فحمله على ظهره ثم خرج ماشيا يتتبع أثر رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم في شدة الحر وحده فلما رآه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم دمعت عيناه وقال يرحم الله أبا ذر يمشي وحده ويموت وحده ويبعث وحده فكان كذلك لما مات رضي الله تعالى عنه بالربذة لم يكن معه إلا امرأته وغلامه فلما غسلاه وكفناه وضعاه على قارعة الطريق ينتظران من يعين على دفنه إذ أقبل عبد الله بن مسعود في رهط من أهل العراق فلما رآهم الغلام قام إليهم وقال هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فأعينونا على دفنه فنزل ابن مسعود وجعل يبكي رافعا صوته ويقول صدق رسول الله في قوله، (وأخبر أنّ أسرع أزواجه به لحوقا) أي وصولا إليه بعد موته (أطولهنّ يدا فكانت زينب) أي بنت جحش. (أسرعهن) لحوقا به (لطول يدها بالصّدقة) رواه مسلم ولفظه عن أم المؤمنين عائشة قالت قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أسرعكن لحوقا بي أطولكن