الألباب والحاصل أن صدور هذا النور وظهور هذه الأمور على يد الأمي أظهر معجزة وأبهر كرامة وأبعد شبهة مما لو ظهر على يد القارئ الكاتب لا سيما وقد كان يحصل الارتياب لأهل الكتاب لكونه النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل هذا والجمهور على أنه صلى الله تعالى عليه وسلم لم يكتب وقيل كتب مرة واحدة وهو قول الباجي وصوبه بعضهم فإنه لا يقدح في المعجزة كونه كتب مرة واحدة بل يكون معجزة ثانية قال القرطبي في مختصره قوله في البخاري فأخذ رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم الكتاب فكتب ظاهر قوي أنه صلى الله تعالى عليه وسلم كتب بيده وقد أنكره قوم تمسكا بقوله تعالى وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ الآية ولا نكرة فيه فإن الخط المنفي عنه الخط المكتسب من التعلم وهذا خط خارق للعادة أجراه الله تعالى على أنامل نبيه صلى الله تعالى عليه وسلم مع بقائه أنه لا يحسن الكتابة المكتسبة وهذا زيادة في صحة نبوته انتهى ولا يخفى أن في قوله وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ أي من قبل نزول القرآن وحصول النبوة والرسالة إشارة إلى أنه كان ممنوعا من القراءة والكتابة وهو لا ينافي أن يعطيهما الله تعالى له بعد تحقق رسالته زيادة في الكرامة؛ (إنّما كانت غاية معارف العرب النّسب) أي علم النسب لكل قبيلة إلى حدها من أبيها وجدها (وأخبار أوائلها) أي وقائع سلفها من هزلها وجدها وتنعمها وكدها (والشّعر) أوزانها وقوافيها (والبيان) أي النثر في الخطب وأمثالها أو ما يتعلق بما فيها حتى كاد أن يكون بيانهم في شعرهم ونثرهم سحرا وشاع وذاع فيما بينهم ذكرا وفكرا وبلغوا غاية البلاغة ووصلوا نهاية الفصاحة نظما ونثرا (وَإِنَّمَا حَصَلَ ذَلِكَ لَهُمْ بَعْدَ التَّفَرُّغِ لِعِلْمِ ذلك) أي عمرا (والاشتغال بطلبه ومباحثة أهله عنه) أي عصرا؛ (وهذا الفنّ) أي النوع من العلم بجميع افنانه وأغصانه في جميع أحيانه وأزمانه (نقطة من بحر علمه) أي ونكتة من نهر فهمه وشكلة من شطر كلمه (صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا سَبِيلَ إِلَى جَحْدِ الْمُلْحِدِ) أي إنكار المائل عن الحق والمعاند (بشيء ممّا ذكرناه) أي من المطالب والمقاصد (ولا وجد الكفرة حيلة) أي مكيدة يتشبثون بها في عقيدة (في دفع ما نصصناه) وفي نسخة ما نصصناه أي حكيناه وبيناه (إلّا قولهم أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ [النحل: ٢٤، والفرقان: ٥] ) أي هو يعني القرآن أقاصيص السابقين كما حكى الله عنهم بقوله وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكتتبها فهي تملي عليه بكرة وأصيلا وقد تولى الله سبحانه وتعالى جوابهم بقوله وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ (وإِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ [النحل: ١٠٣] ) أي من الإعجام أؤ الاروام (فردّ الله قولهم) أي مقولهم هذا لا كما قال الدلجي هو أساطير الأولين وإنما يعلمه بشر (بقوله: لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ) وفي قراءة بفتح الياء والحاء أي يميلون (إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ [النَّحْلِ: ١٣٠] ثمّ قالوه مكابرة العيان) بكسر العين أي المعاينة والمشاهدة (فَإِنَّ الَّذِي نَسَبُوا تَعْلِيمَهُ إِلَيْهِ إِمَّا سَلْمَانُ) أي الفارسي كما في نسخة صحيحة وسماه النبي صلى الله